للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تابعي يرفض أن يطلب شيئاً من هشام بن عبد الملك

فيا عجباً لنا يا عباد الله! كيف تنحصر الهمم في مطالب رخيصة، ومع ذلك نسألها أناساً لا يملكونها، دخل هشام بن عبد الملك الكعبة فوجد رجلاً من التابعين جالساً فيها، فقال: سلني حاجتك؟ فقال: أما إني أستحي أن أسأل غير الله وأنا في بيته، فلما خرج من الكعبة، قال: سلني حاجتك؟ قال: من الدنيا أم من الآخرة؟ قال: بل من الدنيا، فقال: إني ما سألت الدنيا من يملكها، فكيف أسألها ممن لا يملكها! انظروا يا عباد الله! عظم هذه الهمة التي جاوزت سؤال هذا الحد، وانظروا يا عباد الله! كيف يرتبط السلف في سؤالهم ودعائهم بالله جل وعلا، إن من الناس من لو بلغت به جائحة أو مصيبة تلفت إلى الضعفاء والفقراء، وإلى المساكين الذين لا يدفعون ولا يملكون نفعاً ولا ضراً، يسألهم حاجته أو تفريج كربته، ولو قلت له: أسألك بالله، هل قمت ليلة في حالة نزول ربك جل وعلا في الثلث الأخير من الليل يوم ينزل الجبار جل وعلا يسأل العباد حاجاتهم، وهو أعلم بها منهم (هل من سائل فأعطيه؟ هل من داع فأجيبه؟) هل سألت ربك حاجتك؟ يقول: لا والله ما حصل، إنما ذهبت إلى فلان واسطة إلى فلان، وذهبت إلى فلان شفاعة لفلان، وذهبت إلى علان شفاعة عند المسئول أو الجهة أو المكانة الفلانية، وقد نسي المسكين أن يسأل ربه الذي بيده نواصي الخلق أجمعين.

من يسأل الناس يحرموه وسائل الله لا يخيب

وإذا بليت ببذل وجهك سائلاً فابذله للمتفرد المفضال

لا تسألن بني آدم حاجة وسل الذي أبوابه لا تحجب

الله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يسأل يغضب

عباد الله: اسألوا الله الجنة، اسألوا الله الفردوس، اسألوا الله الشهادة في سبيله، اسألوا الله أن يفرج عن المكروبين، اسألوا الله واجعلوا من هممكم أن يخرج السجناء تائبين من سجونهم، اسألوا الله أن يهدي شباب المسلمين، اجعلوا هممكم عامة وعالية، انظروا إلى الكون بآفاقه الشاسعة، ولا تنظروا نظرة الأنانية أو نظرة الذاتية والفردية، تلك النظرة التي لا يجاوز فيها صاحبها حد نفسه ومصالحه القاصرة.

ويا للأسف! ما أكثر الذين لا ينظرون إلا إلى أنفسهم، وإلى أرصدتهم، وحظوظهم ونصيبهم فقط، وقد يرى الناس من حوله يجوعون أو يتضورون ويتضوغون جوعاً، ومع ذلك لا يفرج كربة وهو قادر عليها، من كرب العباد التي يستطيع العباد تفريجها، لا يشفع بوجه وهو قادر على الشفاعة، لا يبذل جاهاً وهو قادر على بذله، لا يقدم معروفاً وهو قادر على تقديمه.

أحسن إذا كان إمكان ومقدرة فلا يدوم على الإحسان إمكان

مادام الإنسان قادراً ومستطيعاً، ومادام الإنسان مطيقاً، فليبادر وليقدم وليجعل الهمة عالية، وليرفع نفسه بهمة تنفعه عند الله، وتنفع الخلائق أجمعين، إن الخلق عيال الله، فأحبهم إليه أنفعهم لعياله.

فانفعوا عباد الله! واجعلوا همتكم لهم جميعاً، لا تجعلوا همتكم فردية لا تجعلوها أنانية، ولا تجعلوها ذاتية.

أسأل الله جل وعلا أن يهدي شباب المسلمين، وأن يفرج كربات المكروبين، وأن يمن على المذنبين بالتوبة.

يا شباب الإسلام! إن من أهم الأمور التي تستطيعونها، وتقدرون عليها، هي أمر الدعوة إلى الله جل وعلا، ومن كانت أمنيته أن يكون داعيةً إلى الله فليبذل أسباب وسائلها بالحكمة والموعظة الحسنة، حتى يهتدي الخلق على يديه، فيقفون يوم القيامة يشهدون ويشفعون له، وتوضع مثل أعمالهم في موازين أعماله، تلكم هي الهمم العالية.

اجعلوا همتكم تربية الأبناء وتربية الأجيال، ونفع المسلمين، اجعلوا همتكم حفظ الأمن والأمة والمجتمع والبلاد، اجعلوا همتكم كل خير شمل وعم أبناءكم وإخوانكم وعامة المسلمين، واسألوا الله جل وعلا، واجعلوا ذلك فوق الهمم جميعاً، أن يختم الله لكم بالشهادة والسعادة، وأن يثبتكم الله على دينه، وأن يأخذ بنواصيكم إلى مرضاته، وأن يحيل بينكم وبين أسباب سخطه، هذه هي الهمم.