للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فكل ميسر لما خلق له]

اعملوا يا شباب الإسلام! فكل ميسر لما خلق له، إن الشيطان ليرد البعض ويقول: ما بلغت شهرة فلان، أو ما بلغت منزلة فلان، أو ما بلغت مكانة فلان، فيحقره ويثبطه، ويجعلك قاعداً ضعيفاً، وأنت تستطيع أن تفعل شيئاً كثيراً، والله لو لم يجد الإنسان سبيلاً، ولو لم يكن يحفظ إلا جزء عمَّ من القرآن فيقعد في المسجد ليعلم أطفال الحي هذا الجزء من القرآن، لكان هذا عملاً وخيراً عظيماً، فلا تحرموا أنفسكم سبل الدعوة، ولا تضيقوا على أنفسكم أبواب الخير، واخدموا لله في كل حالٍ بما يناسب وظيفةً ترضي الله جل وعلا، قال ابن القيم رحمه الله، في إعلام الموقعين: واختلف أناسٌ أي العبادة أفضل، فمنهم من ذهب إلى أنها الصلاة، ومنهم من ذهب إلى أنها الجهاد، ومنهم من ذهب إلى أنها كذا ثم قرر رحمه الله كلاماً جميلاً كالشمس في نقائه ووضوحه، قال: إن خير العمل أن تقوم لله في كل حالٍ بما يناسب مرضات الله جل وعلا، وقد يكون العمل الفاضل مفضولاً في بعض الأحيان، أليس قراءة القرآن هو أفضل الذكر على كل حال؟ ولكن إذا قدمت الجنازة فيكون القيام لها والصلاة عليها أفضل من قراءة القرآن في هذه الحالة، فكذلك العمل لدين الله جل وعلا، أن نعتني به في كل حالٍ بما يناسب وظيفةً مرضيةًَ لله جل وعلا، في ذلك الوقت، أو في كل وقت.

فاعلموا يا شباب الإسلام، واعلموا يا معاشر المسلمين أجمعين أن العمل ليس محصوراً أو مقصوراً على الشباب، ووالله لو فقه كل مسلمٍ دينه، وفقه كيف يعمل لدينه، لكان من أيسر الأمور أن ينتشر الصلاح في المجتمع، وأن تنعدم الجريمة، وأن يظهر الخير، وأن تفتح بركات السماء والأرض من الله جل وعلا، لكن المصيبة أن يكتفي بعضنا بمعرفة بعضٍ أو بالإشارة إلى بعض، والبقية يبقون لا يعملون، فالعمل واجبٌ على الصغير والكبير، وكل من علم في دين الله شيئاً.

جاءت امرأةٌ إلى سعد بن أبي وقاص تريد أن تشارك في الجهاد، وليس على النساء جهاد، فقطعت ضفيرة شعرها، وقالت: يا أمير الجيش! لا أستطيع أن أشهد معكم هذا الغزو في سبيل الله، فخذ هذه ضفيرة شعري، اجعلها عناناً لفرسك في سبيل الله!! الله أكبر يا عباد الله! ينبغي أن نفهم الدين والعمل والجهاد فهماً نستطيع من خلاله أن نقبله من الحداد ومن النجار ومن الضابط ومن المهندس ومن المعلم والقاضي والعالم وطالب العلم، ينبغي أن نفهم هذا الدين فهماً يجعلنا نقبل كل عملٍ متيسرٍ من كل شخصٍ أياً كانت مرتبته، أو أياً كان وظيفته، فنيةً في الصناعة والعمل، أو مهنيةً أو علميةً أو ميدانيةً أو نحو ذلك، إذا فهمنا ديننا هذا الفهم الواسع الشامل استطعنا أن نعمل لدين الله، فما عليك يا أخي المسلم إلا أن تستعين بالله، ثم بإخوانك، وتقرر عملاً يرضي الله جل وعلا، سواءً كان مع السجناء أو مع الذين في مستشفيات الأمل، أو مع الفقراء، أو كفالة الأيتام، أو رعاية الأيامى والمقطوعين ممن لا قريب لهم ينفعهم أو يقوم بحوائجهم، المهم أن تقرر عملاً في مرضات الله جل وعلا، ولا تظنن أن العمل لدين الله، إنما هو في حالةٍ واحدة.

لقد سرني ما عرفته من شبابٍ، علمتُ أنهم اجتمعوا جزاهم الله خير الجزاء، وسدد خطاهم، فاهتموا واعتنوا بمرضى مستشفى النقاهة الذي في طريق الخرج، يجمعون التبرعات لهم، ويأخذون عناوين بيوتهم، ويذهبون إلى أسرهم، ويحضرون لهم الأرز، والسمن والدقيق في نهاية كل شهرٍ وما يحتاجونه من الطعام، فإذا أقبل الشتاء بذلوا لهم مئونة الشتاء، وما يحتاجون من لحافٍ وكساء، فإذا أخذوا فترةً قدموا لهم مالاً حتى لا ينفتح على أسر أولئك المعوقين أو أسر أولئك المرضى الذين أخذوا سنين طويلة في المستشفى بابٌ من الفساد، لأن بعضاً من ضعفاء الإيمان من المجرمين الشرسين، يتسلطون على أسر المرضى، فيساومونهم في أعراضهم، وفي بناتهم، وفي بيوتهم، أتريدون مالاً افتحوا لنا الباب، احضروا من يقعد معنا، اجلسوا وافعلوا هكذا، فإذا قام أولئك الشباب برعاية أولئك المرضى، الذين يمكثون سنين طويلة في المستشفى ولا دخل ولا عائل لهم، فإنهم يدفعون ويسدون باباً من الفساد عظيماً.

أسأل الله أن يوفقنا وإياكم بأن نعمل لدين الله في شتى المجالات التي ترضي الله، ونسأل الله أن يرزقنا فهماً شاملاً واسعاً عريضاً لهذا الدين والعمل لجميع جوانبه.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، وأبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد بناء سوءاً فأشغله في نفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء! اللهم انصر المجاهدين، اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان، اللهم أقبل الشتاء بجليده وثلجه وبرده القارس، اللهم إنهم جياعٌ إن لم تطعمهم، اللهم إنهم عطشى إن لم تسقهم، اللهم إنهم عراةٌ إن لم تكسهم، اللهم أنزل عليهم سكينةً وثبتهم بمنك ورحمتك، وسدد رصاصهم في نحور أعدائهم، اللهم انصرهم على عدوك، اللهم عجل نصرهم، اللهم قد ملّ كثيرٌ من الناس من المجاهدين وسئموا التبرع لهم وضاقوا ذرعاً بما يطلب منهم، اللهم فإن انقطعت أسباب الأرض فافتح اللهم عليهم أبواب السماء، اللهم إن ضاق الخلق بهم ذرعاً اللهم يا خالق الخلق أجمعين فافتح لهم أبواب مددك وعونك، ومنك وتأييدك، يا رب العالمين!