للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سبب نزول قوله تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ)

معاشر المؤمنين: جاءت امرأة في المدينة إلى أحد الصحابة وكان رجلاً تماراً يبيع التمر، فلما نظر إليها أشغله جمالها، وملأت عليه فؤاده، وشغف بها حباً، فقالت: أعندك تمر أجود مما أرى؟ فقال: بلى، وقادها إلى مكان تظن أنه يذهب بها إلى موقع آخر ترى فيه أصنافاً أو أنواعاً من التمر، فما كان منه رضي الله عنه إلا أن قادها إلى بيته، ولم تكن تعلم فأغلق دونها الباب فدنا منها، ولم يصب منها ما يوجب الحد وإقامته، وإنما كما يقول الشنقيطي رحمه الله في تفسيره: لعله كان بينه وبينها ما لا ينبغي أن يكون إلا بين رجل وامرأته من مس أو ضم وقبلة، ولكن سرعان ما ندم ولسعته سياط الموعظة وأنبته نفسه اللوامة واستيقظ ضمير فكره، فما كان منه إلا أن كف عن فعله، وفتح الباب وخرج هائماً في الطرقات يبحث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما وجد الحبيب ووجد البر الرءوف الرحيم- بآبائنا هو وأمهاتنا صلى الله عليه وسلم- جاء إليه وأناخ بقدميه -اللتين تمطتا إلى تلك المعصية- في حماه الطاهر صلى الله عليه وسلم، وقال: يا رسول الله! إني أذنبت ذنباً، فالتفت إليه صلى الله عليه وسلم، وما كهره وما زجره وما ضربه أو أغلق في وجهه آمال التوبة أو بشائر الرحمة أو بواكير الإنابة، وإنما سمع منه حيث قال: فعلت كيت وكيت وكيت، فأطرق النبي صلى الله عليه وسلم ملياً، فما لبث أن تغشاه الوحي، ولما سُرِّي عنه صلى الله عليه وسلم، قال: (أين الرجل؟ قال: هو أنا ذا يا رسول الله! فقال صلى الله عليه وسلم وهو يتلو قول الله جل وعلا -تلك الآية المدنية في السورة المكية في سورة هود- {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:١١٤] فقال الرجل: يا رسول الله! ألي هذا خاصة؟ -) هل هذا الجواب وهذا الخطاب {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:١١٤] (فقال صلى الله عليه وسلم: لا، بل لأمتي عامة) {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:١٢٨] اللهم صلِّ على محمد، اللهم صلِّ على محمد وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أيها الأحبة في الله: إننا نسوق هذه الآية وسبب نزولها ومقدماتها لنوجه الخطاب إلى أنفسنا وإلى فريق آخر، أما الخطاب لنا ولكم فهو يوم أن نرى عبداً مذنباً، فإن حاجة المريض أن تصف له العلاج لا أن تعاتبه وتشتمه وتقول له: لماذا أنت مريض؟ والله إن الذين في زنازين السجون يتمنون أن يكونوا من المهتدين المزاحمين بركبهم في حلق العلم بين يدي العلماء، والله إن مدمني المخدرات يتمنى الكثير منهم أن يكونوا من المهتدين السابقين إلى الصف الأول ورياض المساجد، ووالله إن كثيراً من العصاة ليلومون أنفسهم لوماً عظيماً، ولكن من ذا يأخذ بأيديهم إلى طريق الهداية؟ إذاً: ففي هذا دعوة أن نفتح صدورنا لإخواننا ولو كانوا مذنبين، شتان بين مذنب ذنبه على نفسه قاصر، وبين مذنب يتعدى بذنوبه لينشر الجريمة في أنحاء المجتمع.

المذنبون صنفان: صنف يذنب ذنباً ويخاف خوفاً ويندم ندماً ويخشى فضيحةً ويخاف هتك ستر الله عليه، ثم هذا تراه أقرب ما يكون يوم أن تدعوه إلى حسنة تمحو خطيئته، وإلى صدقة تمحو زلته، وإلى عودة تفتح باب توبته.

ومذنب آخر محترف للذنوب، تاجر ينشر ويوزع وكيل معتمد، إليه تفد ألوان الذنوب ومنه تصدر، يوزعها لينشرها في أنحاء المجتمع وجنبات الأمة، فشتان بين هذا وهذا.