للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ستر الله على مذنب بني إسرائيل]

أيها الأحبة: إن الله جل وعلا عفو غفور كريم ستير يحب الستر.

ذكر ابن قدامة في التوابين قصة في بني إسرائيل أن موسى عليه السلام خرج يوماً يستسقي، فلم ير في السماء قزعة- أي: سحابة- واشتد الحر، فقال موسى: يا رب! اللهم إنا نسألك الغيث فاسقنا، فقال الله جل وعلا: يا موسى! إن فيكم عبدي يبارزني بالذنوب أربعين عاماً، صح في القوم وناد إلى العباد: الذي بارز ربه بالذنوب والمعاصي أربعين عاماً أن اخرج، فقال موسى: يا رب! القوم كثير والصوت ضعيف فكيف يبلغهم النداء؟! فقال الله: يا موسى! قل أنت وعلينا البلاغ، فنادى موسى بما استطاع، وبلغ الصوت جميع السامعين الحاضرين، فما كان من ذلك العبد العاصي -الذي علم أنه المقصود بالخطاب، المرقوم في الكتاب أنه ينادى بعينه بين الخلائق، فلو خرج من بين الجموع، عُرف وهتك ستره وانفضحت سريرته وكشفت خبيئته- فما كان منه إلا أن أطرق برأسه وأدخل رأسه في جيب درعه أو قميصه، وقال: يا رب! اللهم إني أتوب إليك فاسترني، اللهم إني أتوب إليك فاسترني، اللهم إني أتوب إليك فاسترني.

فما لبث موسى ومن معه إلا أن أظلهم الغيم وانفتحت السماء بمطر كأفواه القرب، فقال موسى: يا رب! سقيتنا وأغثتنا ولم يخرج منا أحد! فقال الله: يا موسى! إن من منعتكم السقيا به تاب وسألني وأعطيته وسقيتكم بعده، فقال موسى: يا رب! أرني ذلك الرجل، فقال الله جل وعلا: يا موسى! سترته أربعين عاماً وهو يعصيني أفأفضحه وقد تاب إلي وبين يدي؟ الله أكبر! ما أعظم ستر الله! إن الله ستير يحب الستر.