للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قتال العراقيين جهاد]

هنا مسألة أيها الأحبة! حصلت فتنة في نفوس بعض الناس، قال بعضهم: هذه مصالح أمريكية بحتة، وقال بعضهم: هذا جهاد في سبيل الله بحت، واختلف الناس، وأحجم بعض الصالحين، وأصاب الناس نوع من الفتنة، يسألك الجندي: لو قتلت على حدودنا، هل أقتل مجاهداً؟ هل أموت شهيداً في سبيل الله؟ الناس في شك وريبة، وحينما تحصل الفتنة ينقذ الله جل وعلا أمة الإسلام بالقول السديد من صالح العلماء.

لقد مرت الأمة بفتنة عظيمة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، كما يقول أحد السلف: فأنقذها الله بقول أبي بكر في الفتنة، في قتال المرتدين ومانعي الزكاة، وكانت نصرة للإسلام والمسلمين، وأيضاً أنقذ الله الأمة في عهد المأمون بالإمام أحمد بن حنبل، في الفتنة بخلق القرآن، فتن الناس فتنة عظيمة وثبت الإمام أحمد، حتى انجلت هذه الغمة، ومرت بعدها فتن، وأنقذ الله الأمة بصالح العلماء.

ومرت الآن بنا هذا الفتنة، فأنقذنا الله جل وعلا بقول الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، شرح الله صدره للحق في هذه المسألة، وتبعه عدد كبير غفير من العلماء ووافقوه، قالوا: قتال هذا الطاغية في العراق جهاد في سبيل الله جل علا، ومن قتل في هذا نسأل الله أن يكون من الشهداء إذا أحسن نيته، وراجعوا هذا الكلام في مجلة الدعوة في العدد الماضي في هذه المسألة.

فيا إخوان! لماذا تختلف الآراء؟ لماذا نختلف وبعضنا يصيبه نوع لا أدري ماذا أسميه في الحقيقة، الأجلاء من علماء الأمة أفتوا في هذه المسألة، وإن قتال هذا الطاغية في العراق جهاد واجب، يقول الشيخ عبد العزيز بن باز في قول الله جل وعلا: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات:٩].

قال: إذا كان القتال مشروعاً في حق الفئة المؤمنة التي بغت، فمن باب أولى أن يشرع القتال في حق الأمة الكافرة، وهل يشك أحد في كفر طغيان البعث والحرس الجمهوري وطواغيت العراق؟ لا أحد يشك في هذا، إذاً فلماذا التردد! نحن الآن نعيش مرحلة جهاد في سبيل الله، كما يعيش المجاهدون في أفغانستان جهاداً في سبيل الله، واعلم أنك إن تكفل أسرة جندي من جنودنا على الحدود، فأنت تعمل بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من خلف غازياً في أهله بخير فقد غزا، ومن جهز غازياً فقد غزا) أم لا يصلح الجهاد إلا هناك وعندنا لا يوجد جهاد؟ لا.

ينبغي أن ندرك هذه المسألة إدراكاً دقيقاً، والمصيبة أن البعض يقول: لا.

لعل بعض العلماء لا يدركون حقيقة الوضع، أصبحنا نتعلل بهذه المسألة إلى درجة أننا جعلنا علماءنا أغبياء، هل تفوت على كبار العلماء، وعلى رأسهم سماحة الشيخ والأجلاء من علماء الأمة أن هذه المسألة فيها تضليل أو شيء من هذا؟ هم يدركون حجم المصيبة.

لماذا جاءت القوات الأمريكية؟ لماذا اشتركت؟ هل جاءت حباً فينا؟ هل جاءت جهاداً في سبيل الله؟ ماذا وراءها؟ ما موقفنا؟ ما هي واجباتنا؟ أعطوا كل أمر قدره، وأخرجوا هذه القضية قضية قتالنا نحن جيشنا، السعوديون ومن قاتل معهم، ممن يحتسب قتال هذا الطاغية لكفره ولبعثه ولردته، ولدفع عدوانه عن بلاد المسلمين، من يحتسب هذا لوجه الله فهو جهاد في سبيل الله، وأفتى بهذا العلماء.

ثم بعد ذلك يأتينا من يقول: لا.

ربما بعض المشايخ لا يعرفون، سابقاً كنا إذا قلنا: يقول الشيخ الفلاني هذه المسألة، يقول: خالفكم الشيخ ابن باز في هذه المسألة، والقول ما قاله الشيخ، أي: على العين والرأس أن نجعل قول سماحة الشيخ هو المعتمد، والآن لما جاءت الفتنة والشوكة، وجاء الحرب والقتل والقتال، جئنا نقول: الشيخ مضلل عليه، هذه مسألة خطيرة، وتدل على عدم الأدب والثقة حسب المطلوب الكامل مع العلماء.

ينبغي أن نعطي علماءنا قدرهم، وأن نعرف لهم وزنهم، وأن نعرف أن الذين كنا نرجع لهم في مسائل الطلاق، والبيع والشراء، والحوالة والضمان، والصلاة والصيام والزكاة، أيضاً نعود لهم في الجهاد، لا أن نجعل السؤال عن الطهارة، وعن الصلاة والزكاة والصوم، ولما جاء القتال؛ أتينا نبحث يميناً ويساراً، هذا التسلل هذا إما أن يكون جبناً وخوفاً، والجبان الخائف يتتبع الرخص من أقوال المخالفين، وإما أن يكون عدم ثقة بالعلماء، وهذه أدهى وأعظم من الأولى ولا حول ولا قوة إلا بالله! هناك من تناقشهم في هذه المسائل، يقول لك: كلام ابن باز على العين والرأس، لكن يبقى هناك مشايخ آخرون خالفوه في هذه المسألة، الآن علماء ابن باز، ومن وافق من أجلاء علماء المملكة، والعلماء الآخرون، كلهم قالوا: إن هذا جهاد في سبيل الله جل وعلا، أو هذه القضية على وجه الدقة والتحديد مربع أو مثلث، الضلع الذي يخصنا نحن، يخص جيشنا وقواتنا، هو الجهاد في سبيل الله، حتى لا نتردد في هذه المسألة.

وإني أسأل إخواني يوم أن خرجت ثلاث عشرة سيارة تقودها البنات والنساء، ولا ألومكم وأنا معكم، كلنا وقفنا وقفة رجل واحد ضد هذه القضية التي عرفنا ما وراءها ومن دبر لها، ومن يبعثها ومن يخطط لها، اتفقت آراؤنا وأقوالنا في قضية قيادة المرأة للسيارة، وخطورتها وأبعادها؛ ولما جاءت قضية الجيوش البعثية المحتشدة على حدودنا أخذنا نقلب الأقوال والآراء، اتفقنا على قضية قيادة المرأة، وعجزنا أن نتفق على قضية أمة يوشك أن تداس وتدنس وتغتصب وتنتهك، كما حصل لإخواننا الكويتيين، أي ورع إن كان هذا ورعاً؟! ينبغي أن ننتبه لهذه القضية الخطيرة يا إخوان، ثم مع هذا كله، وفوق هذا كله، كلٌ يبعث على نيته، النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قتل دون ماله فهو شهيد، من قتل دون عرضه فهو شهيد) جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! إن جاء رجلٌ يريد مالي؟ قال: خوفه، قال: فإن لم يخف؟ قال: قاتله، قال: فإن قتلني؟ قال: أنت في الجنة، قال: فإن قتلته؟ قال: هو في النار).

هل بعد هذه النصوص ما يجعل أحدنا يتردد في الحكم على هذه القضية الدائرة الآن؟ هذا فيما يتعلق بنا نحن، أما فيما يتعلق بالقوات الأمريكية، فلا شك أنها جاءت حفاظاً على النفط، حفاظاً على المصالح الاستراتيجية التي تتعلق بهم، النفط شريان الحياة بالنسبة للعالم الغربي، هذه مسألة مهمة، وينبغي أن ندركها جيداً، وإلا لو جاءت هذه الدول وجاء الحلفاء لإنصاف المظلوم، فلماذا لم ينصفوا المجاهدين في أفغانستان؟ لماذا لم ينصفوا الناس في الحبشة وفي أثيوبيا؟ لكن الحمد لله الذي جعل مصالحهم عندنا، حتى يسخرهم الله لنا في الوقوف أمام هذا الطاغية، وإلا والله يا إخوان لا أقول هذا إرجافاً ولا تثبيطاً: هذا الطاغية بقول المحللين والعسكريين الكبار الذين يرصدون ويرقبون هذا الأمر، عنده مخزون من الأسلحة طوال الحرب العراقية الإيرانية لا يخطر لكم على بال، وحسبكم أن الطلعات بلغت الآلاف وهي لا تزال تدك في قوته العسكرية، والله لو ملك أن يغرقكم في حمام من الدماء لما ترك إلى ذلك سبيلاً.

حتى لا يقول أحد: إنه دخلتنا العواطف، أو دخلتنا هذه المسائل، كيف وقد رأينا ما فعل بالإخوة الكويتيين، البنات يغتصبن، الأعراض تنتهك، الأموال تسرق، الصبايا يقتلن، الأطفال يموتون جوعاً وعطشاً، الثكالى والشيوخ والعجائز يشردون، ماتوا على الطرق حراً وعطشاً وجوعاً، أتظنون أن هذا سوف يعامل أهل الكويت بمكيال، ويعاملكم أنتم بمكيال؟ لكن يا عباد الله! احمدوا الله جل وعلا أن جعل مصالح هذه الدول في أرضكم، فسخرهم الله للحفاظ على هذه المصالح، وأيضاً لهم هدف آخر، حتى لا تكون هذه القوة يوماً ما ضربة في إسرائيل، وهذا أمراً ندركه جيداً، ولكن يا إخوان:

البعث بعث في العراق وغيره تتواصل الأسباب بالأسباب

هل تظنون أن البديل في العراق، حتى لا تضرب القوة العسكرية بديل إسلامي يمكن أن يسخر لخدمة القضية الفلسطينية، أو لإنصاف المظلومين في فلسطين؟ حتى نقول: لا.

ادفعوا هذا الطاغية، واتركوا قوته العسكرية، ليستفيد العرب في المواجهة القادمة، لا والله، البديل الآن، إما بديل اشتراكي شيوعي أو شيعي، يتنافس على المنطقة الآن، وكل يعد أوراقه، ونسأل الله جل وعلا أن يأتي بأمر من عنده {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ} [المائدة:٥٢] أن يأتي بديل لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، على الأقل أن يأمن الأبرياء على أعراضهم ودمائهم وحدود حرياتهم التعبدية في شعائرهم.

ينبغي أن ندرك هذه المسألة جيداً يا إخوان.

لما حصلت هذه الفتنة، شاب آخر يقول: للأسف أن هناك مشايخ يسمون الآن قتال الجيش السعودي جهاد في سبيل الله، إذاً ما هو الجهاد؟ ماذا تسمي الجهاد إن لم يكن صد هذا العدوان؟ أسألكم بالله لو أن القوات العراقية استولت على الحفجي استيلاءً كاملاً وبقيت فيه، هل سيأتي الشيخ عائض القرني أو سلمان العودة ليلقي محاضراته كالمعتاد في الخفجي؟ على أبسط مثال يفقه الصغير والكبير.

إذا سرق سارق في الخفجي هل ستقطع يده، أو يحال للقانون العراقي؟ إذا قتل قاتل هل يقتل؟ إذا أقيم ضريح ومزار يعبد من دون الله، وينذر، ويتوسل به وإليه في دفع الكربات وجلب الحاجات، هل سيجد المنكرون سبيلاً إلى إزالته وهدمه؟ لا والله، إذاً ما هو الجهاد إن لم يكن هذا الجهاد؟ ما هو الجهاد أيها الإخوة؟ ثم أيضاً إن المجاهد في سبيل الله قد يكون فاسقاً، المجاهد قد يكون عاصياً، يسألني أحد الرجال في الحرس الوطني من الجنود، كأنه يذكر على نفسه بعض الذنوب والمعاصي، إذا قتل في هذه المعر