للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الاعتراف بالتقصير]

السؤال

هناك مجموعة من الأسئلة تكلمت عن كثير من الشباب أنهم أخيار وطيبون ويعملون الخير ولكن للأسف؛ يجدون في نفوسهم تقصيراً كثيراً من جوانب ضرورية وخاصةً من جهة الواجبات؛ فيفرطون -مثلاً- في صلاة الفجر، عندهم مشاكل مع أنفسهم في الخلوة، ذكر شخصٌ آخر أنه ينظر أحياناً إلى بعض المحرمات التي تعيق، فيقول: إنني حاولت مراراً وتكراراً أن أرجع إلى الله وألا أعود لمثل هذه القضايا، ولكن تتغلب النفس علي، فأرجو من فضيلتكم تبيين مثل هذا الطريق المناسب في هذه الأمور؟

الجواب

وجود مثل هذا النوع من الشعور دليل خيرٍ لأنه يندم على كل معصيةٍ اقترفها سراً، وليعلم العبد أن الله عز وجل جمل العباد بستره فأظهر الجميل وستر القبيح، ولا نظن -أيها الأحبة- أن الصلاح أو الاستقامة هو توفير لحيةٍ أو تقصير ثوب، إنما هو صلاح السيرة والسريرة والظاهر والباطن والسر والعلانية، ولكن إن زلت القدم، أو حصلت الهفوة، فهل هذا يعني أن الواحد أصبح السبيل بينه وبين الصلاح والالتزام مقطوعاً، والهوة سحيقة والفجوة بعيدة، ولا يمكن أن يعود إلى ركب الخيار والأبرار؟

الجواب

لا.

وإني أحذر من وسوسةٍ شيطانيةٍ تأتي إلى بعض الشباب بعد أن يقع منه ما يقع من معصيةٍ أو زلةٍ أو هفوةٍ في ليلٍ أو ظلمةٍ أو غفلةٍ أو خلوةٍ أو غير ذلك، فيأتيه الشيطان ويقول: أنت بين أمرين: إما أن تستمر على التزامك الظاهر بعد الذي فعلت فتكون منافقاً، لأنك في الظاهر متدين وفي الباطن فعلت ذلك، وإما أن تسلم من النفاق فتكون كسائر الناس، احلق لحيتك، واسبل ثوبك، واسمع مثلما يسمعون، وانظر إلى ما ينظرون واسكت، ولا تأمر بمعروف ولا تنهى عن منكر حتى تسلم من النفاق، فيأتيه الشيطان من هذا الباب، فنقول: هذا باب ٌخطر، بل الواجب من زلت به قدمٌ أن يبادر إلى التوبة والاستغفار، فأنت مأجورٌ على اتباع السنة في ثوبك وفي إعفاء لحيتك، وأنت مخطئٌ فيما أذنبت من ذنب فبادره وعالجه بالتوبة والاستغفار {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:١١٤] (اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلقٍ حسن) ابحث عن الصحبة الصالحة، لا تطل خلوتك بنفسك، لا تجعل أغلب أيامك وأوقاتك بعيداً عن الطيبين {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} [الكهف:٢٨] لا تكن قاصياً مبتعداً، إنما الذئب يأكل من الغنم القاصية، بهذه الأسباب مجتمعة بإذن الله فأنت تطفئ بالأعمال الصالحة نار السيئة، واجعل هذا ديدنك، إذا أذنبت فأتبع الذنب فوراً بأعمال صالحة: بقراءة قرآن بصدقة باستغفار بأفعالٍ خيرة، وقع الذنب مرةً أخرى في الأسبوع الثاني الحمد لله على ما ستر، فأتبعه بالعمل الصالح وبالتوبة وبالاستغفار {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [غافر:٣] ارجع إلى الله غافر الذنب {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر:٥٣] ليست الرحمة للمسرفين، وأنت وقعت في ذنب أو ذنبين وأنت متدين تقنط من الرحمة؟ الرحمة لعباد الله أجمعين (ورحمتي سبقت غضبي) رحمة الله واسعة سبقت كل شيء، فتعلق برحمة الله ولا تكن ممن مردوا على المعصية سراً وإظهار الصلاح ظاهراً، لأن ذلك من دلائل النفاق والعياذ بالله، لكن إذا حصلت منك زلة أتبعها بالاستغفار من غير أن تكون عادة منك وتندم عليها وتقلع، حتى لو وقعت في مثله في المرة الثانية والثالثة، أقلع وبادر وتب إلى الله عز وجل لكن لا تستمرئها وتجعلها شيئاً عادياً لا تبالي به ولا تأبه به، ما دمت تستغفر فأنت بخير، وبإذن الله إذا صدقت التوبة فلن تعود، أما من أدمنها وأصبحت ديدنه وعادةً له ولا يبالي، بل هو في الظاهر صالحٌ وفي الباطن فاجر، فيوشك أن يقع منه الحديث: (يأتي أقوامٌ يوم القيامة بصلاةٍ وصيامٍ وأعمالٍ كالجبال، يجعلها الله هباءً منثوراً) فعظم الأمر على الصحابة، فقال صلى الله عليه وسلم: (إنهم كانوا إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها) ومن كان هذا دأبه وديدنه وطبعه، في السر ألوان من المناكر والمعاصي والفجور، وفي الظاهر يدعي الصلاح، فلا شك أن هذا نفاقٌ وعلى خطرٍ أن يحبط عمله في الآخرة، أما من كان مجتهداً في الصلاح ظاهراً وباطناً سراً وعلانية، ثم وقعت منه الزلة فإن ذلك يدعى إلى التوبة والإنابة والاستغفار، ولا يعد نفسه من المنافقين فيقنط من رحمة الله، أو يقول: ما عاد ينفعني العمل أبداً، إن الصحابي الذي شرب الخمر فجيء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تكلم فيه أحد الصحابة قال: أخزاه الله ما أكثر ما يؤتى به من خمر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تعينوا الشيطان على أخيكم، فإني ما علمته إلا يحب الله ورسوله).

بالمناسبة ينبغي للطيبين أن يرحموا إخوانهم، أنا ألاحظ بعض الطيبين لو أن أحد إخوانهم من الشباب الطيب وقع في زلة أو في معصية أو مرت به ظروف، أو تغير أو أصابته حالة من الحالات -مثلاً- كان حديث المجالس، فيقال: فلان حلق لحيته، فلان أسبل ثوبه، فلان أصبح يتفرج فلان، ثم نشروا خزيه وعاره وأفعاله بين كل الطيبين وعادوه عداوةً لا يفتحون له باب العودة أبداً، سبحان الله العلي العظيم! الرسول صلى الله عليه وسلم لما جيء له بهذا الصحابي الذي شرب الخمر هل قال له: نعم، أمامنا صحابي ووراءنا شارب خمر؟ ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم وإنما قال: (لا تعينوا عليه الشيطان، فإني ما علمته إلا يحب الله ورسوله) فينبغي ألا نقسم مجتمعنا إلى أقسام وأحزاب، هؤلاء طيبون، وهؤلاء ملتزمون، هؤلاء علمانيون، وهؤلاء فجار، وهؤلاء، نحن أمةٌ واحدة ولا نريد أن نتقسم، فينا السابق بالخيرات وفينا الظالم لنفسه وفينا المقتصد؛ فمن وجدناه منا كان سابقاً بالخيرات فانقلب ظالماً لنفسه نقابله بالنصيحة، نتقرب إليه ونتودد إليه ونتألفه ونستضيفه من جديد ونهديه ونناصحه، ونصيحة السر: نصيحة الرسالة والمودة والمحبة، نعيد له مكانته من جديد، لا نتفرج عليه ونتشمت به ونذله ونخزيه، حتى إن بعض الشباب تراه لو أقبل عليه بعض إخوانه وقد حصلت منه زلة ما رد عليه السلام، ولو دعي في مجلس اصفهر في وجهه وقطب جبينه ونظره شزراً وأخذ يغمز ويلمز يمنةً ويسرة كأنه يريد طرده من المجلس، أو إذا قيل له: تعال واجلس معنا.

قال: فلان معكم، أنا لا أريد أن أحضر، لا يا فضيل بن عياض ويا إبراهيم النخعي، ما حصلت منك زلة أبداً، وما أخطأت أبداً، اتق الله عز وجل ولا تعامل إخوانك بهذه الصيغة؛ مسلم زل، رب العالمين أرحم به منك ومنه، افتح له باب الأمل، وباب الرجاء وباب العودة حتى توظف طاقته من جديد، لو أن السيارة إذا خربت رميناها في المزابل وأحرقناها لما وجدنا سيارة توجد في الشارع، كل سيارة تخرب نعيد إصلاحها ونستخدمها مرة ثانية، كل شاب عندما يقع منه زلة نعيد تربيته ونستمر من جديد، وإصلاح خلل الصاحب والصديق أهون من البحث عن صديقٍ جديد، إصلاح الخلل الذي تراه في صديقك أو جليسك أو أخيك هذا أهون بكثير وأقل بكثير من مراحل البداية الجديدة، وإن كان هذا لا يمنع من أن ندعو الناس جميعاً لكن عندنا خلل في بعض المفاهيم الدعوية لعلنا أن نفردها في محاضرةٍ إن شاء الله.