للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من حقوق الزوج على زوجته خدمته وخدمة منزله]

ومن الحقوق أيضاً: حق الزوج عليها في خدمته وخدمة منزله، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ويجب على المرأة خدمة زوجها بالمعروف من مثلها لمثله، ويتنوع ذلك بتنوع الأحوال، فخدمة البدوية ليست كخدمة القروية، وكذلك خدمة القوية ليست كخدمة الضعيفة وهذا كلام جميل لـ ابن تيمية رحمه الله مع أن هناك من أهل العلم من يقول: لا يجب على المرأة أن تخدم زوجها، والواجب عليه أن يهيئ لها من يعد طعاماً وشراباً ويخدمها، ولكن هذه المسألة خلافية قد توسط فيها ابن تيمية توسطاً جميلاً فقال: يجب على المرأة خدمة زوجها بالمعروف.

فلا يأتي إنسان يقول للمرأة وهو صاحب عمال وأعمال وغير ذلك ويأمرها يومياً أن تطبخ الطعام لعشرات، بل أكثر من ذلك من الوافدين والداخلين والخارجين إذا كان هذا يشق عليها مشقة بينة واضحة، فعليها أن تطيعه في المعروف.

من المعروف: أن تطهي طعامه، لكن ليس من المعروف أن تتحول إلى طباخة تطبخ يومياً لعشرين وثلاثين من العمال وغير ذلك.

من المعروف: أن تنظف البيت، لكن ليس من المعروف أن تتحول إلى عاملة لكنس الاستراحة ورشها والعناية بكل ما يحتاجه هو وشلته وأصحابه ورفاقه كل يوم لتظل طول اليوم مهينة مهيضة مكسورة ضعيفة، فلا القول بأن حقه عليها في الخدمة مطلق ولا القول بأنه ليس له عليها من الحق في الخدمة أيضاً، وإنما الوسط في ذلك كما سدد إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث قال: ويجب على المرأة خدمة زوجها بالمعروف من مثلها لمثله، ويتنوع ذلك بتنوع الأحوال فخدمة البدوية ليست كخدمة القروية، وخدمة القوية ليست كخدمة الضعيفة انتهى من الاختيارات.

وقال مثل ذلك أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف وأبو إسحاق الجوزجاني وغيره قال: وأدلة هذا القول ما رواه البخاري أن فاطمة رضي الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أتت النبي صلى الله عليه وسلم وقد سمعت أنه جيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بسبي، وكانت قد مجلت يداها مما تقوم به من خدمة علي رضي الله عنه، والطحن على الرحى، وإعلاف فرس علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تسأله خادماً فقال صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبرك بما هو خير لك من خادم؟ تسبحين الله ثلاثاً وثلاثين، وتحمدين ثلاثاً وثلاثين، وتكبرين أربعاً وثلاثين، فذلك خير لك من خادم وخادمة).

ووجه الاستدلال أن فاطمة رضي الله عنها لما سألت النبي صلى الله عليه وسلم أن يعطيها خادماً من هذا السبي الذي جيء إليه به لم يقل صلى الله عليه وسلم: إن من حقك على علي أو من واجب علي أن يخدمك أو أن يهيئ لك خادماً، ولم يأمر زوجها علي بن أبي طالب بأن يهيئ ذلك إما بإخدامها خادماً أو باستئجار من يقوم بذلك أو بتعاطي ذلك بنفسه، ولو كانت كفاية ذلك إلى علي رضي الله عنه لأمره النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، ولكن قال: (ألا أخبرك بما هو خير لك من خادم وخادمة؟ إذا أويتما إلى فراشكما فسبحا الله ثلاثاً وثلاثين، وكبرا ثلاثاً وثلاثين، واحمدا أربعاً وثلاثين) وفيه من الفوائد: أن الذكر يقوي البدن.

وأن الذكر والاستغفار خاصة من أسباب قوة البدن بإذن الله عز وجل.

قال الطبري: يؤخذ منه أن كل من كانت له طاقة من النساء على خدمة بيتها في خبز أو طحن أو غير ذلك أن ذلك لا يلزم الزوج إذا كان معروفاً أن مثلها يلي ذلك بنفسه ذكره ابن حجر في فتح الباري.

ويستدل أيضاً بحديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها أنها قالت: كنت أخدم الزبير بن العوام رضي الله عنه خدمة البيت كله، وكانت له فرس فكنت أسوس فرسه، وكانت تعلفه وتسقي الماء، وتخرج الدلو، وتعجن، وتنقل النوى على رأسها من أرض له على ثلاثة فراسخ.

والمسافة بعيدة، والحديث في البخاري.

وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم رآها مع نفر من أصحابه فلم ينكر ذلك عليها، ولم ينكر على الزبير حالها معه، ولم يقل: يا زبير لم لا تُخدمها، لم لا تحضر لها خادمة؟ قال ابن حجر: والذي يظهر أن هذه الواقعة وأمثالها كانت حالة ضرورة، ووجه هذه الضرورة شغل زوجها الزبير وغيره من المسلمين بالجهاد وغيره مما يأمرهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا لا يتفرغون لأمور البيت بأن يتعاطوا ذلك بأنفسهم، ولضيق ما بأيديهم على استخدام من يقول بذلك، فانحصر الأمر في نسائهم فكن - يعني: النساء- يكفينهم مؤونة البيت ومن فيه؛ ليتوفروا على ما هم فيه من نصر الإسلام، أي: ليظل الرجال منشغلين بالجهاد ونصر الإسلام -ثم قال- والذي يترجح: حمل الأمر في ذلك على عوائد البلاد فإنها مختلفة في هذا الباب.

وأنت تلاحظ أن ابن حجر اقترب من قول القائلين بإيجاب الخدمة على المرأة على النحو الذي يقضي به عرف الناس وعاداتهم.

والآن أصبح الكثير من النساء مخدومات بالخادمات، ولكن مع هذا كله نقول لأخواتنا: إن طبخ الزوجة لا يمكن أن يقارن في ذوقه وحلاوته وتلذذ الرجل به، وشعور الرجل بمكانة المرأة في منزله، لا يقارن بطبخ الخادمات، فإياك إياك أمة الله أن تسندي طبخ طعام زوجك إلى خادمة!! ومسألة أخرى: الرعاية والعناية بالأولاد، إياك ثم إياك أن تسندي مسألة الرعاية بالأولاد في نظافتهم وفي لباسهم، وفي الحديث معهم، وفي تأديبهم إلى الخادمات! وإلا فسوف يخرج جيل أعجمي غريب الطباع والعادات يقول ابن القيم رحمه الله: لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم أسماء والنوى على رأسها والزبير زوجها معه، لم يقل صلى الله عليه وسلم: لا خدمة عليها، وأن هذا ظلم لها، بل أقره صلى الله عليه وسلم على استخدامها، وأقر سائر أصحابه على استخدام أزواجهم وهذا أمر لا ريب فيه، ذكره في زاد المعاد.

وقال عن حديث فاطمة: هذا أمر لا ريب فيه، ولا يصح التفريق بين شريفة ودنيئة، وفقيرة وغنية، فهذه -يعني فاطمة - أشرف نساء العالمين كانت تخدم زوجها، وجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تريد خادماً وتشكو إليه الخدمة فلم يقدم لها أو يعطها خادماً.