للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شبهة التعدد والطلاق]

السؤال

هذه سائلة تعرض شبهة تريد من فضيلة الشيخ كشفها وبيانها: وهي أن بعض النساء يقلن أن النساء مسكينات لأنهن يطلقن والأزواج يتزوجون عليهن متى شاءوا، فكيف الجواب على هذه الشبهة؟

الجواب

الحقيقة هذه:

إذا بَني ضرجوني بالدم من يلق آساد الرجال يكلم

شنشنة نعرفها من أخزم

ليست هذه الكلمات أول مرة تطرق مسامعكم أو مسامع غيركم، مما يفترى به على شأن المرأة في هذا الدين، والحقيقة أن الطلاق شرع لحكم عظيمة، ولا ينبغي أن يكون الطلاق حجة لصاحب شبهة يدعي من خلالها أن المرأة مظلومة، بل إن الطلاق حلال بغيض، ولا ينبغي للرجل أن يلجأ إليه إلا إذا تعذر إصلاح حال الزوجية وأصبح بقاء أحدهما مع الآخر أو بقاء بعضهما مع البعض سبباً لمزيد من النكد والشقاق الذي لابد له من الفراق.

فمثلاً لو أن المرأة هي التي ضاقت ذرعاً بالرجل، ولم تألفه نفسها وأرادت فراقه ثم قلنا: لا.

لا طلاق، لا فراق أبداً هل هذا من العدل؟ يظن البعض أن فصم العلاقة الزوجية هي بيد الرجل وحده لا، كذلك المرأة هي تملك طرفاً آخر، والقاعدة تقول: المتسبب في الفرقة يتحمل العوض.

فإذا طلق الرجل وفصم أو قطع العلاقة الزوجية بقرار الطلاق يفوته المهر فلا يرد إليه، والمرأة إذا فصمت العلاقة الزوجية بقرار المخالعة فإنها ترد المهر، فلم يقل أحد أن الرجل وحده هو المتحكم في العلاقة إيجاباً -إيقاعاً- وعدماً بدليل أن المرأة أيضاً لها الحق في ذلك {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:٢٢٨] نعم، الطلاق يقع عليها ولكن أيضاً المخالعة، وليس الخلع والطلاق بمستحبين بشأنهما، بل يلجأ إليهما عند الضرورة وهذا مما يؤكد سمو الإسلام في شمول أحوال البشر كلهم، ما شرع الطلاق ليكون هو فاتحة الكتاب في العلاقة الزوجية، بل يكون هو خاتمة المطاف وكالكي في الدواء آخر العلاج، إذ أن من النساء من لو ظلت مع زوجها على حال من البغضاء والكراهية لأدى بها إلى فتنة لا تأمن بعدها على نفسها وعرضها وأخلاقها.

كذلك أن يتزوج متى شاء إنما أبيح للرجال أن يعددوا ليس لأجل أن يذلوا النساء، وإنما أبيح لهم أن يعددوا من أجل حفظ النساء، لكن المرأة بطبيعة جبلتها وغيرتها لا تقبل أن يتزوج عليها، لكن هل يعني أن غيرة المرأة وعدم رغبتها ورضاها بذلك يعطل مصلحة عظيمة ومقصداً عظيماً من مقاصد الشرع في إباحة التعدد التي لو لم يكن منها إلا حفظ المجتمع وحفظ نساء المجتمع وحفظ الرجال عن اللجوء إلى الزنا والانحراف والمخادنة وغير ذلك؟! لو لم يكن فيه من المصالح خاصة لمن يقدرون على الإنفاق والإعالة من الذرية والتكاثر تكثيراً لأمة محمد، ومصالح كثيرة وكثيرة جداً.

عائشة رضي الله عنها جاء عنها أنها كانت في سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم فقالت حفصة: يا عائشة جربي جملي وأجرب جملك.

وكانت حفصة ذكية، وليس كذكاء عائشة لكن حفصة تعرف أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا عرس القوم أو نزلوا منزلاً ثم شدوا السير من جديد أخذ يمشي بالقرب من جمل عائشة، فـ حفصة تريد أن تنال هذه المكرمة وهذا الفضل فقالت: ألا تجربين جملي وأجرب جملك؟! وافقت، فلما ركبت عائشة جمل حفصة وركبت حفصة جمل عائشة ثم سار النبي صلى الله عليه وسلم قليلاً فتوجه إلى جمل عائشة يظن أن عائشة فيه، يحبها، أحب النساء إلى النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وأحب الرجال إليه أبوها رضي الله عنه أبو بكر، فلما جعل يده في الهودج قال: عائشة؟ قالت: لا، بل حفصة يا رسول الله تقول عائشة: [فطاش عقلي حتى أخذت أضع يدي في الحرمل لعل دابة تلدغني فأموت؛ من شدة الغيرة].

ولما بعثت إحدى الصحابيات -وأظنها حفصة - إلى النبي صلى الله عليه وسلم بطعام في بيت عائشة أخذت الطعام ثم ضربت بالإناء الجدار حتى انكسر الإناء فضحك صلى الله عليه وسلم وقال: (غارت أمكم، يا عائشة طعام بطعام، وإنا بإناء) فالله جبل النساء على الغيرة لتزداد شدة التعلق عند الرجل، هل نقول: إن هذا يعطل حكمة عظيمة من حكم الشريعة، ومقصداً عظيماً من مقاصد الملة في باب التعدد أو في باب الطلاق أو غيره؟

الجواب

لا.

ثم أيضاً المرأة التي تسلم تسليماً لا يخالطه ريب ولا شك بأن الله عليم وحكيم: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:١٤] ما دام أن الله يشرع لعلم ولحكمة وعدل شرع ذلك كله فلماذا نعترض على أحكام الله وشرعه؟ الشيخ ينبه إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم حياته فيها جانب بشري وجانب النبوة، أما الجانب البشري الصرف فمثلاً ميل قلبه إلى عائشة وقوله: (اللهم إن هذا قسمي فيما أملك ولا تلمني في ما لا أملك) بشريته في كونه صلى الله عليه وسلم ينام، وكونه صلى الله عليه وسلم يمارس من الوظائف الطبيعية في أبدان البشر كما يمارسه غيره، فهذا جانب بشري، ويؤكد ذلك ميله صلى الله عليه وسلم إلى عائشة رضي الله عنها، وليس هذا من باب الظلم لأنه حاشاه صلى الله عليه وسلم أن يظلم.