للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مصطلح الصحوة وما يراد به]

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الأحبة في الله! أحمد الله جل وعلا إليكم، وأشكره على آلائه التي لا تحصى، ونعمه التي لا تنسى، وأسأله جل وعلا أن يجعل لنا ولكم من كل همٍّ فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلاء عافية، وأن يثبتنا على دينه ومرضاته إلى أن نلقاه، وأن يتوفانا وهو راضٍ عنا.

أيها الأحبة! ليس الحديث بين أيديكم في موضوع جديد عنكم، بل أنتم أهل البيان والفصاحة والبلاغة، وما بضاعتنا بين أيديكم إلا بضاعة مزجاة، فيا أيها العزيز جئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا بدعوة صالحة وحسن ظن ومودة في الله ولله، عسى أن نكون في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله.

أما الحديث -أيها الأحبة- فهو عن توجيهات على طريق الصحوة، وليس لمثلي أن يُوجه أو يأمر أو ينهى ولكنني تلميذ من هؤلاء التلاميذ، وطالب من هؤلاء الطلبة، ودارس من هؤلاء الدارسين، سمعنا من مشايخنا وعلمائنا وقضاتنا ودعاتنا وولاة أمرنا ما ينبغي أن نفهمه وأن نفقهه، قال صلى الله عليه وسلم: (بلغوا عني ولو آية) وقال صلى الله عليه وسلم: (نضر الله امرأً سمع مني مقالة فوعاها، فبلغها، فرب مبلغٍ أوعى من سامع).

الصحوة -أيها الأحبة- مصطلح يبدو أنه حادث ويراد به عموم العائدين الملتزمين بأمر الله بعد تفريط فيه، والمستقيمين على شرع الله بعد تهاون وتساهل به، ذكوراً كانوا أم إناثاً، صغاراً كانوا أم كباراً، عواماً ومثقفين على اختلاف تخصصاتهم ومستوياتهم، وإذا تحقق ذلك فإن هذا المصطلح ما دام مفهوماً حادثاً جديداً فلا شك أن الناس يتباينون في فهمه أو تحديد معناه، وأرجو في بداية هذا اللقاء ألا نفهم أو يفهم أحد أننا حينما نطلق كلمة (الصحوة) أننا نقسم مجتمعنا هذا إلى أحزاب وفئات وفرق وجماعات شتى، بل الواقع والواجب أن نفهم جميعاً أننا أمة واحدة، مجموعة واحدة بعلمائها وقضاتها ودعاتها وشبابها وشيبها وولاتها وصغارها وكبارها، ولكن هذه الأمة بمجموعها فيها الظالم لنفسه، وفيها المقتصد، وفيها السابق بالخيرات.

إن بعض الإخوة ربما فهم معنى الصحوة أننا نقسم مجتمعنا إلى أحزاب أو جماعات، وأن هذا يعني: أننا سنقف يوماً ما على طرف، وسيقف بقية الناس على طرف آخر، وكلٌّ ينظر إلى صاحبه من بُعد، ويخاطبه من برج عاجٍ أو من منارة شاهقة، وما هكذا المؤمنون، بل المؤمنون يدنواً بعضهم من بعض ويخالط بعضهم بعضاً، ويزور صالحهم سيئهم لينصحه، ويعود طيبهم فاجرهم لينهاه، ويناصح عالمهم جاهلهم ليثقفه ويعلمه بما أوجبه الله جل وعلا عليه.

أيها الأحبة! إن هذا الأمر الذي أردنا أن نتحدث عنه وهو: هذه التوجيهات المتعلقة بهذه الصحوة المباركة وما هي إلا شيء من الملاحظات اليسيرة على عدد قليل ونزر يسير من أحبابنا وإخواننا وليس المقصود فئة أو حزباً أو جماعة كما قلت، وليس المقصود أشخاصاً بأعيانهم، وإني أعيذ نفسي وإياكم بالله أن نجعل بين هذا الكلام وبين قلوبنا للشيطان موقفاً أو مكانة أو وسوسة أو سوء ظن، فوالله ما أردنا إلا قصد السبيل والأمر لله جل وعلا.

أيها الأحبة! موجز الأمر أنها نصيحة لكل من وقع في خطأ مما سنسمع، أو فرط في واجب مما ينبغي أن نتصف به، فعلينا أن نتحلى به وأن نراجع أنفسنا.