للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أثر الشحناء في إزالة الحسنات]

وإذا تأملت مزيداً من النصوص وجدتها تصب صباً مباشراً في هذه القضية لتحذرنا من القطيعة، لتحذرنا من العداوة، لتحذرنا من البغضاء، لتحذرنا من التساهل في أعراض بعضنا، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تُفتح أبواب الجنة يوم الإثنين والخميس فيُغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا) رواه الإمام مسلم.

أيها الأحبة! لنكن صرحاء: إن بعضنا ربما وجد في قلبه ليس على فاجر من الفجار، بل على أخٍ من إخوانه الطيبين، والواجب أن نحمل المودة والمحبة لإخواننا الطيبين، وأما إخواننا العصاة، وإخواننا الذين أمعنوا وأسرفوا في الذنوب، فلهم منا جانب ننكره وهو إنكار معاصيهم، وما اجترحته جوارحهم، وما اقترفته أيديهم، ولهم منا جانب المحبة والمودة والشفقة، وجانب الرحمة الذي يدعونا إلى الدنو منهم، ومخاطبتهم باللين، ودعوتهم بالحكمة، ومجادلتهم بالحسنى عسى الله أن يردهم إليه رداً جميلاً، عسى الذي هدانا أن يهديهم، عسى الذي ردنا أن يردهم، عسى الذي منَّ على كثير من إخواننا أن يمن علينا وعليهم بالتوبة.

أيها الأحبة! إن من شؤم وسوء عاقبة الحسد أن حامل الحقد والغل والحسد لا يزال يتشفى بلسانه في عرض من يحقد عليه، حتى إن ذلك المسكين الحاسد ليأتي على جميع حسناته التي تعب في جمعها ثم يهديها إلى من اغتابه، يشقى بالعمل يجمعه، يُصلي الفجر، يمشي خطوات إلى المسجد، قد يذكر الله، يتصدق، يعمل أعمالاً صالحة، ربما يفعل خيراً كثيراً، ثم بعد ذلك قد يقع في زلة الحقد والحسد والبغضاء، وبذلك يُهدي هذه الحسنات إلى من تكلم في عرضه! إن القصاص من الغيبة، والقصاص من النميمة، والقصاص من الغل والحقد والحسد الموجب لذلك كله؛ لن يكون يوم القيامة بأعمال تُعطيها فلاناً، بل سيكون من أعمال قُبلت إذ أن الحساب يوم القيامة لن يكون بالدينار ولا بالدرهم، ولا بالركعة، ولا بالصوم، ولا بالحج الذي لا تدري هل قُبل أم لم يقبل؟ ولكن القصاص سيكون من حسنات مقبولة، يُسدد من دينك ويُقضى غرماؤك بلسانك الذي تسلط على عملك فأحرقها، سوف يُسدد من الحسنات والسيئات، فإن لم يكن ثم حسنات فإن القصاص سيكون من سيئاتهم التي هي حقاً يقيناً سيئات، ثم تُوضع على سيئات هذا، وصدق القائل حيث قال:

يشاركك المغتاب في حسناته ويعطيك أجري صومه وصلاته

ويحمل وزراً عنك ظنّ بحمله عن النُجب من أبنائه وبناته

وغير شقي من يبيت عدوه يعامل عنه الله في غفلاته

فلا تعجبوا من جاهلٍ ضر نفسه بإمعانه في نفع بعض عداته

وأعجب منه عاقل بات ساخطاً على رجل يُهدي له حسناته

ويحمل من أوزاره وذنوبه ويهلك في تخليصه ونجاته

إن هذا لعجبٌ عجاب أن تجد شخصاً يتسلط كل ليلة ليحمل عنك أوزاراً وذنوباً وآثاماً وخطايا، ما حملها بقرابة ولا بنسب ولا بهدية ولا بصلة، وإنما حملها عنك وتحملها عنك! ويوم القيامة يحملون أوزارهم ومن أوزار الذين يغتابونهم ويتكلمون فيهم، ومن أوزار الذين يضلون بسبب الوقوع في أعراضهم، يتحمل هذا يوم القيامة سيئات الآخرين {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ} [عبس:٣٦] إذ أن لكل امرئ منهم مشغلة وقضية ودويهية وبلية أشغلته عن حاله، عساه أن يتحمل أوزار نفسه، وأن يتحمل سيئات ذاته، ثم تجده يتحمل أوزار الآخرين!