للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نماذج ممن رفعتهم التقوى]

الذي نفتخر به هو الذي جعل بلال الحبشي، يُسْمع صوت نعليه في الجنة.

الذي نفتخر به هو الدين الذي جعل أبا لهب ذا الوجه الأحمر الملتهب من شدة بياضه يقال فيه: {سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ} [المسد:٣].

الذي نفتخر به ذلك الدين الذي قال لـ صهيب: (ربح البيع أبا يحيى).

الذي نفتخر به الذي نقل سلمان الفارسي من الفرس إلى آل البيت، فقال صلى الله عليه وسلم: (سلمان منا آل البيت) إن من افتخر فخراً مجرداً عن العمل الصالح، فهو خسيس دنيء، وإننا لنقولها ولا كرامة ولا مودة ولا مكانة لمن افتخر بنسب جاهلي، وتباً لمن يفتخر بعظمٍ نخر، الذين يفتخرون بالعصبيات، وبالأنساب، الذين يصنفون الناس: هذا شمال وهذا جنوب وهذا غرب وهذا نجد وهذا وسط وهذا يمين وهذا يسار بماذا تصنفون الناس؟ بالعيون التي تُخرج القذى؟ بالأنوف المليئة بالمخاط؟ بالأجواف المليئة بالبول والبراز؟ بالأفواه المليئة بالبخر؟ بالآباط المليئة بالوسخ؟ بماذا يفتخر الناس حينما يصنفون بهذه العصبيات، إنما الفخر فخر من أطاع الله وعبد الله وسجد لله وصلى لله، والكرامة والله هي كرامة التقوى، ومن تمسك بغيرها ومن دعا بدعوى الجاهلية، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (أعضوه بهن أبيه ولا تكنوا) أي: قولوها له صريحة حينما يفتخر بهذه العصبيات الجاهلية التي لا مكانة لها.

لقد وقف عطاء بن أبي رباح الذي هو إمام المناسك في زمنه، يقف الناس طوابير، خلف بعضهم كل ينتظر دوره في السؤال، وعطاء كان عبداً مملوكاً أعتقته سيدته، كان لا يرى إلا بعين واحدة، كان مفلفل الشعر، أسود اللون، كأنه غراب بين الناس، ثم لما جاء الخليفة يسأل قالوا: دونك الناس أيها الخليفة -أي: امسك في (الطابور) حتى يصلك (الطابور) وتصل عطاء بن أبي رباح - فوقف الخليفة وسأل عطاء بن أبي رباح فالتفت إلى أولاده، وقال: أي بني! اطلبوا العلم فقد جثا الخلفاء بركبهم عند العلماء هكذا يكون الدين هو الذي يرفع الدرجات ويرفع المنازل.