للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سوء الظن مدعاة للحقد]

أيها الأحبة! إن مما يدفع بعض الناس ومما يجرهم والعياذ بالله إلى الأحقاد والإحن والغل؛ سوء الظن، وسوء الظن أمر منهي عنه، لقد عرفت كثيراً من الناس لو تناجى اثنان في مجلس لقال: نعم، إنهما يتناجيان فيّ، إنهما يتكلمان عني، يتكلمان في سيرتي، إنهما يحللان شخصيتي، إنهما يريدان أن يزنا شخصيتي.

فتجد بعض الناس لو التفت يمنة ويسرة قال: نعم، الآن يتكلمان فيّ.

بعض الناس مسكين عنده ضعف ووسوسة واهتزاز شخصية لدرجة أنه لو دخل على حوش غنم، فالتفت تيس إلى عنز قال: تكلموا فيّ! من سوء اهتزاز شخصيته أمام نفسه فعلاً، لا يُطيق أن يلتفت اثنان إلى بعضهما، ولو أن بعضهم فجأة أو خطأً حدق البصر فيه لحظة ثم عاد لقال: نعم، أراد أن يتأكد هل هو الذي يُتكلم فيه أنا أم الذي بجواري، أي: أنك تجده -والعياذ بالله- مسيئاً للظن، وقد نهى الله جل وعلا عن هذا، فقال جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات:١٢] ولماذا نسيء الظن بالآخرين سواءً في كلامهم أو في قولهم أو خطبهم أو مقالاتهم أو كتبهم أو مجالسهم أو مواقفهم؟ لماذا لا نحملهم على أحسن محمل؟ أوليس الأصل في كل مسلم براءة عرضه وسلامة جانبه؟ أوليس الأصل فيه البراءة، والشك طارئ والمعصية والخطيئة طارئة.

إذاً لماذا ندع الأمر الأصلي الثابت بيقين لأمرٍ حادث بشك، والقاعدة الفقهية تقول: اليقين لا يزول بالشك؟ وقال صلى الله عليه وسلم: (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث).

نعم إن كثيراً من الناس يحلل حساباته ويخلص بتقاريره واستنتاجاته بناءً على الظنون وبناءً على أشياء لا صحة لها {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً} [النجم:٢٨].

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: [إن أناساً يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الوحي قد انقطع وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم، فمن أظهر لنا خيراً أمناه وقربناه، وليس إلينا من سريرته من شيء، الله يحاسبه على سريرته، ومن أظهر لنا شراً لم نأمنه ولم نصدقه، ولو ادعى وقال: إن سريرته حسنة].

وإن حسن الظن لمن حقوق الأخوة التي هي من مناقب السلف الصالح، فهذا الشافعي رضي الله عنه يروي أحد تلامذته وهو الربيع بن سليمان قال: دخلت على الشافعي ذات يوم وهو مريض، فقلت له: قوى الله ضعفك.

فقال الشافعي: لو قوى ضعفي لقتلني.

فقال الربيع: والله ما أردت إلا الخير.

فقال الشافعي: أعلم أنك لو شتمتني لم ترد إلا الخير.

أي: من حُسن ظن الشافعي بتلميذه أو بمن حوله.

قال: لو تكلمت فيّ كلاماً بلغ حتى درجة الشتيمة، لن أسيء بك الظن، وإني لأقول: إنك ما أردت وما قصدت إلا الخير.

وعلى ذلك فينبغي أن يُحمل كلام الإخوان وكلام الخلان والأصحاب والأحباب والإخوة وكلام عامة المسلمين فيما بينهم أن يحمل على خير محمل.