للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في المحادثة والسماع والمزاح]

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، هذه فتاة تبلغ من العمر عشرين سنة، ولقد رزقها الله بشاب صالح ولله الحمد، وسؤالها هو: إن زوجها -هداه الله- دائم الذكر لا يفتر عن ذكر الله حتى مع والديه، في أي محل وفي أي مكان، ولا يدع لها مجالاً في التحدث معه، بل يقول: اذكري الله، وإذا ركبت السيارة يذكرني بالله، وإذا أردت أن أتحدث معه قال لها: يا امرأة اتقي الله ودعكِ من الدنيا.

ولا يحدثها محادثة الزوج مع زوجته فهل من نصيحة جزاكم الله خيراً؟

الجواب

والله نقول لأخينا هذا: أسأل الله أن يجعلنا وإياك وزوجتك والسامعين والسامعات من الذاكرين الله والذاكرات، ونقول: إن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أكثر الصحابة ذكراً ومع ذلك كان يمازح صحابته، ويحدث صحابته، ويكلم عائشة ويؤانس زوجاته، ويتحدث معهم، ويداعب الصبيان ويلاعبهم ويحملهم ويسلم عليهم.

فما أظنك وما أخالك يا أخي ستكون أبلغ وأكمل هدياً وسمتاً من نبيك صلى الله عليه وسلم؟! تقول عائشة: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون في بيته في حاجة أهله، يخصف نعله، ويحلب شاته، وإذا دُعي أو أقيمت الصلاة قام كأنه لا يعرفنا ولا نعرفه).

كان الرسول صلى الله عليه وسلم يمازح الصحابة ويتحدث معهم، كان يستمع الشعر، وقال ذات يوم لـ أبي بكر الصديق: يا أبا بكر هل معك من شعر أمية من شيء؟ قال: نعم.

قال: هيه -أي: أسمعني- فأسمعه بيتاً.

ثم قال: هيه! فأسمعه ثانياً، فقال: هيه! فأسمعه ثالثاً، حتى أسمعه مائة بيت، فقال صلى الله عليه وسلم: (كاد أمية أن يُسلم، أسلم شعره وكفر قلبه) وكان صلى الله عليه وسلم يسمع الشعر، ولما جاءه كعب بن زهير يغنيه قصيدة غزلية في المسجد:

بانت سعاد فقلبي اليوم متبول متيم إثرها لم يفد مكبول

وما سعاد غداة البين إذ رحلوا إلا أغن غضيض الطرف مكحول

أتى بقصيدة كلها غزلية، فما قال النبي صلى الله عليه وسلم: اذكر الله اذكر الله لا تسمعنا، اذكر الله اذكر الله، بل سمع القصيدة حتى بلغ قوله:

نبئت أن رسول الله أوعدني والعفو عند رسول الله مأمول

إلى أن قال:

وقال كل خليل كنت آمله لا ألهينك إني عنك مشغول

قصيدة جميلة واستمع لها النبي صلى الله عليه وسلم، وكان صلى الله عليه وسلم ربما تمثل شيئاً من الشعر فلا يستطيع، كان في غزوة بدر وهو من الشجعان الكارين على أعداء الله في الجهاد في سبيله، يلتفت وبجواره أبو بكر الصديق فيقول صلى الله عليه وسلم: ونفلق هاماً ويقف لا يعرف بقية البيت، فيقول أبو بكر:

ونفلق هاماً من رجال أعزة علينا وهم كانوا أعق وأظلما

وذات يوم أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتمثل بشعر العباس بن مرداس السلمي الذي صفته الحقيقة:

أتجعل نهبي ونهب العبيد بين عيينة والأقرع

وما كان حصن ولا حابس يفوقان عباس في مجمع

فالنبي يريد أن يتمثل بهذا فيقول:

أتجعل نهبي ونهب العبيد بين عيينة والأقرع

فيقول أبو بكر الصديق رضي الله عنه: أشهد أنك لرسول الله: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يس:٦٩] أي: ما قال النبي صلى الله عليه وسلم بيتاً شعرياً كاملاً على حله بكماله وتمامه، وذلك لأن الله قال: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يس:٦٩].

فيا أخي الكريم! هذا رسول الله يسمع الشعر ويقول جزءً أو شطراً من البيت، ويحدث أصحابه، ويؤانس أهله، ويسلم على الصبيان ويداعب الصغار وما قال: إني مشغول عن هذا كله.

فأسأل الله لي ولك مزيداً من الذكر، ولكن اعط زوجتك حقها، فإن لأهلك عليك حقاً، وإلا يُوشك أن تنفر منك هذه الزوجة، ثم الله يعينك على المشروع الخيري لمساعدة المتزوجين متى سيصل دورك!