للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حال الناس مع الصلاة جماعة]

الصلاة مع الجماعة أمرٌ تَساهل به كثيرٌ من الناس، ولو صلى الناس كلهم الصلاة مع الجماعة ما رأيت في مسجدٍ موطأ قدمٍ خالٍ من مصلٍ راكعٍ أو ساجدٍ أو مسبحٍ أو خاشع، ولكن الصلاة تشكو إلى ربها قلّةَ عمارها! اشتغل الناس بدنياهم، اشتغل الناس بأعمالهم، اشتغل الناس بتجارتهم، تزخرف القوم لمجالسهم، تبسم القوم لبعضهم في مجالس لهوٍ وغفلة وطرب.

وكثيرٌ من الناس اشتغل بملهاةٍ لا تنفع ولا تشفع، وثقلت عليه الصلاة، إذا سمع النداء تثاقلت نفسه واضطربت، لا خشيةً أو خشوعاً، وإنما ضعفاً وخموداً وكسلاً، وحينما يسمع عزفاً لمطربٍ يهواه، أو لقينةٍ يطرب لأغانيها، اضطرب وتهلل وجهه، وصدق ابن القيم رحمه الله فيما أورد في إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان، حيثُ قال: تلي الكتاب -القرآن- وسُمع النداء وارتفع الأذان:

تلي الكتاب فأطرقت أسماعهم لكنه إطراق ساهٍ لاهي

وأتى الغناء فكالحمير تراقصُوا والله ما طربُوا لأجل الله

دفٌ ومزمارٌ ونغمة شادنٍ فمتى رأيت عبادةً بملاهي

ثقل الكتاب عليهمُ لما رأوا تقيده بأوامرٍ ونواهي

ورأوه أعظم قاطعٍ للنفس عن لذاتها يا ذبحها المتناهي

نعم كثيرٌ من الناس عند الصلاة إن قام إليها قام وليس مقامه قول القائل: أرحنا بها، وإنما يقول: أرحنا منها أرحنا منها، أقمها وانقر ركوعها، واستعجل سجودها، ولا تخشع في أركانها، ولا تطمئن في صفاتها وأوضاعها، دعنا ننتهي منها، هذه عبادة المتخلصين، هذه عبادة الذين يتبرمون، وإن مثل هذه العبادة لا تنفع صاحبها.