للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حال السلف مع الصلاة]

إن عروة بن الزبير رضي الله عنه أصابته الآكلة -داءٌ يسري في شيءٍ من أطراف البدن- في بدنه، وفسد لحم رجله، وأصبحت على حالٍ من الضعف والمرض لابد من قطعها وبترها.

قال الأطباء: يا عروة لو شربت مسكراً يزيل عقلك قليلاً حتى نقطع رجلك في حالٍ لا تشعر بها، فقال: [معاذ الله! أن أتداوى بحرام، إن الله لم يجعل شفاء الأمة فيما حرم عليها!!].

فقالوا: لو تناولت شيئاً يغيب عقلك قليلاً (البنج ونحوه) فقال: [لا أغفل ساعةً عن ذكر الله أبداً] فقالوا: إن الآكلة تسري في جسدك ولابد من قطع رجلك، فماذا ترى؟ قال: [أنظروني! فإذا دخلت في الصلاة واستغرقت فيها فافعلوا ما بدا لكم] فلما دخل في صلاته واستغرق فيها واتصل بأسباب السماء، وغاب عن شهود أمور الدنيا، جاءوا إليه بسكينٍ كالجمر قد حميت على النار، تلتهب لما حولها، فوضعها على اللحم من ساقه، فجعلت اللحم يذوب في لحظات حتى بلغت العظم، ثم أتوا بالمنشار، وقد حمي أيضاً على النار، وجروا المنشار على عظم ساقه، فقطوعها، ولما بلغ المنشار نخاع ساقه، غُشي عليه رحمه الله.

فلما أفاق وقد رأى ما بقي من رجله قد جُعل في زيتٍ وضمد من جراحه، قالوا: قد قطعنا رجلك، فقال: ائتوني بها، فلما جئ بها إليه، أخذها بين يديه وقبلها وقال: [الحمد لله أني لم أمش بها إلى فاحشة، الحمد لله أني ما مضيت بها إلى معصية].

لعمرك ما أدنيت كفي لريبةٍ ولا سبقتني نحو فاحشةٍ رجلي

هكذا كان شأن الأوائل! كان صلى الله عليه وسلم إذا صلى سمعوا له ولصدره أزيزاً كأزيز المرجل، وكان أبو بكر رضي الله عنه رجلاً أسيفاً، إذا صلى بالقوم في جهريةٍ بكى في صلاته، فلا يسمع الناس صوته من نشيجه وبكائه، وصلى عمر فلما بلغ قول الله جل وعلا: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ * فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ} [المدثر:٨ - ١٠].

سقط وعاده الناس أسبوعاً في بيته، هكذا كانت القلوب، وهكذا كانت إقامة الصلاة، وأما في هذا الزمن، فإلى الله المشتكى، وهو المستعان، ولا حول ولا قوة إلا به!