للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أهمية الانتصار على الأعداء الداخليين]

الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، واحدٌ في ربوبيته، فهو الخالق المدبر الرازق، المحيي والمميت والمعز والمذل، هو الأول والآخر والظاهر والباطن، وهو على كل شيءٍ قدير، لا تخفى عليه خافية، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، واحدٌ في ربوبيته فالتوكل عليه والاستعانة به، والطمع في ثوابه، والرغبة في جنانه، والخوف والرهبة من عذابه، الحلف به، والذبح له، والطواف له، والسجود له، والركوع له، وكل دقيقٍ وجليلٍ من أمر العبادة يصرف له وحده لا شريك له، ولا يُصرف لغيره.

فهو أغنى الشركاء عن الشرك، واحدٌ في أسمائه وفي صفاته، فله الأسماء الحسنى، والصفات العلى وهو على كل شيءٍ قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، واعلموا أنكم ملاقوا الله بكل أعمالكم، بنظراتكم وأسماعكم وخطواتكم وما اجترحته أيديكم، وبكل كلمةٍ نطقتم بها وتكلمتم بها، اتقوا الله تعالى حق التقوى، واعلمو أن الله جل وعلا، يبسط لعبده الصحائف، فيرى العبد ما قدم من حسناته وسيئاته: {فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [الكهف:٤٩] {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء:٤٧] والله لن تضل الموازين والصُحف عن سيئةٍ من سيئاتنا، أو حسنةٍ من حسناتنا، أو ذرةٍ من خيرٍ أو شرٍ اقترفناها.

فيا معاشر المؤمنين! {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:١٠٢].

أيها الأحبة في الله! إن كثيراً من الناس يظن أن انتصاره على أعدائه في الخارج هو دليل التحكم والسيطرة، وليس هذا بقولٍ سديد على إطلاقه، فإن للعبد أعداءً من داخل بدنه، وإن للعبد أعداء من داخل نفسه، إذا استطاع أن ينتصر عليهم، فهو على ما سواهم أقدر بإذن الله جل وعلا.

أيها الأحبة في الله! إن كل واحدٍ منا فيه نقاط ضعفٍ لا يدري هل ينتصر عليها، أو يزيلها، أو يتحكم بها، حتى لا تؤدي -والعياذ بالله- إلى سوء خاتمته، وضلال سعيه، وعاقبته الوخيمة فيما يأتي ويذر.

أيها الأحبة! إن الإنسان لا يدري من أين يؤتى، إن هامان أتي من وزارته، وقارون أتي من ماله، وفرعون أتي من ملكه وتجبره، وكل واحدٍ على خطرٍ أن يؤتى من داخل نفسه، ونحن يا عباد الله، فينا وفي بدننا -هذا الجسم الذي نتحرك به- تارةً نقول ضعيفاً مسكيناً، وتارةً ترى فيه من العجائب ما الله به عليم:

دواؤك فيك وما تبصر وداؤك منك وما تشعر

وتحسب أنك جسمٌ صغيرٌ وفيك انطوى العالم الأكبرُ