للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[آفة الكذب]

من آفات اللسان: الكذب، تلك الخصلة القبيحة الذميمة، قال صلى الله عليه وسلم: (يطبع الرجل على الخصال كلها، ليس الكذب والخيانة) أي سوى الكذب والخيانة، وسئل صلى الله عليه وسلم: (أيكون المؤمن جباناً؟ قال: نعم، قالوا: أيكون المؤمن بخيلاً؟ قال: نعم، قالوا: أيكون المؤمن كذاباً؟ قال: لا) لأن الكذب خصلةٌ قبيحةٌ ذميمةٌ جداً.

وحسبكم أن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح قال: (إن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب، حتى يُكتب عند الله كذاباً) وأنتم تعرفون الوعيد الشديد للكاذبين.

والكذب -أيها الأخوة- أصبح في هذا الزمان من أهون ما تساهل الناس به، حتى بدأ المنظرون، وبدأ المتفلسفون والمتفيهقون يُفصلون الكذب في غير ما فُصل في شرع الله جل وعلا، فمنهم من سمى (كذبة إبريل) ومنهم سمى الكذبة البيضاء، ومنهم من سمى كذبةً حمراء، إلى غير ذلك.

وكل هذا مرفوضٌ في دين الله جل وعلا، (ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فيقول خيراً وينمي خيراً) الكذب هنا جائز، أن تعرف أن فلان بن فلان، في قلبه عداوة، وفي نفسه إحن على فلان بن فلان؛ فتأتي إليه، وتقول للأول: عجبتُ من كلامٍ قاله صاحبك فلان في مجلسٍ من المجالس، لقد أثنى عليك، وذكر فيك خصالاً حميدة، وتقول شيئاً من هذا، فليس هذا من الكذب الحرام، بل هو من عين ذات الإصلاح الذي تؤجر به عند الله جل وعلا: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء:١١٤].

(والكذب في الحرب) والحرب خُدعة، ثلاثيةٌ في الشكل: (وحديث الرجل امرأته) إذا تحدث الرجل بكلامٍ وخرج فيه عن الحقيقة؛ لكي يكسر من ضعف المرأة وما قد يؤدي إلى شرٍ أكبر، وليتق الله في هذا، وليكن ما خرج به عن الحقيقة في حديث أهله بقدر حاجة الإنسان إلى الدواء، لا أن يُصبح دائماً منذُ أن يدخل إلى أن يخرج، وهو يروي الأحاديث المكذوبة الموضوعة، رأى ولم ير، سمعَ ولم يسمع، قيلَ ولم يُقل، فُعل ولم يُفعل، ويظن أن الحديث مع المرأة من أوله إلى آخره ينبغي أن يكون كذباً في كذب، لا.

لكن لو شجر بين الرجل وأهله خلاف، أو حصل موقفٌ قد لا تقدره المرأة بضعفها، فاحتاج أن يزوّر عليها شيئاً من الحقيقة، أو يوري فيها فلا حرج، أما أن يكون الإنسان راويةً للكذب من غير حاجة، ويحتج بحديث الرجل لامرأته، فليس هذا مما فهمه أولو الألباب من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.