للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[آفة الاستهزاء بالدعاة]

ومن آفات اللسان يا معاشر المؤمنين! ما نسمعه كثيراً كثيراً، من الذين يستهزئون بالدعاة إلى الله جل وعلا، من الذين يتهكمون بقناديل الصحوة الإسلامية، ومشاعل النور في دياجير الظلام، ونسيم العبير، في روائح الفتن المنتنة، أولئك الذين يتهكمون بالشباب الصالحين، أو بالدعوة إلى الله جل وعلا، فهم على خطرٍ عظيم، وهي من آفات اللسان، ترى الواحد منهم ربما تصدق بمليون ريال، وربما صلّى الفجر مع الجماعة لا تفوته، وربما قرأ القرآن وربما فعل كثيراً من الحسنات، لكن إذا جلس أطلق لساناً طلقاً حاداً على أولياء الله، فأخذ يستهزئ بهذا، ويتهكم بذاك، ويتكلم بهذا، فيُعطى هذا من صدقاته، وذاك من قراءته، وذاك من صلاته، فما بقي له من حسناته شيء، وهذه من صور الجهل عند كثيرٍ من الناس، أن يعمل عملاً صالحاً ثم يضيعه على الناس أجمع، والله ما رأيت تاجراً إذا أشرقت الشمس ذهب إلى متجره، وإذا غابت الشمس عاد وجيبه مليئاً بالنقود والدنانير والدراهم، فإذا جلس في المجلس أخذ يُوزع على الناس يمنةً ويسرة من غير حسابٍ واحتساب، أتعدون هذا من العقلاء؟! لا والله.

فكذلك من الناس من يجمع الحسنات ولكنه يفرقها في مجلسٍ واحد! لو قدرنا أنه كسب ألف حسنة، لكنها في مجلسٍ بعد المغرب أو العشاء يصرف ألفاً ومائتي حسنة، فيصبح رصيده بالسالب، ويعود مديناً بمائتي حسنة، تُؤخذ من حسناته، أو يطرح من سيئاتهم على سيئاته! فانتبه لنفسك يا أخي! واحفظوا أعمالكم، ولا تبطلوا أعمالكم، إن المسلم مأمورٌ أن يحفظ عمله، وإن من أخطر ما تُصرف به الأعمال ودرجاتها جُزافاً هباءً: الكلام في المجالس، والغيبة والنميمة التي حصدت الحسنات، ربما ترى الرجل طيباً أو غير طيب، صالحاً أو غير صالح، لكن لا يلتفت إلى مسألة الغيبة والنميمة، قد تجد رجلاً قليل العبادة، لكن عنده من الحسنات أكثر مني ومنك، لماذا؟ قد يكون عنده بعض الذنوب؟! وقد يكون عنده من الحسنات أكثر مني ومنك، لماذا؟!! قد لا يكون من الذين يتكلمون في أعراض الناس البتة، فهذه مسألةٌ مهمةٌ جداً جداً يا عباد الله! أن يتكلم الإنسان إما بالغيبة والنميمة، أو أن يستهزئ بإخوانه في الله، أو أن يتكلم في أعراضهم، أو أن يتكلم بعض الناس في المجالس، ولا هم له إلا هؤلاء الأخيار، من الناس من إذا جلس مجلساً، يقول: رأيتُ مطوعاً وقف هكذا، ورأيتُ معقداً جلس هكذا، ورأيتُ متشدداً قال هكذا! أما رأيت سكيراً قُبض عليه من قبل الهيئة يوماً ما؟! أما رأيت مرابياً قد أوغل في الربا؟! أما رأيت فاجراً جعل بيته ماخوراً للدعارة؟! ما رأيت مرتشياً مجرماً يسلب أموال المسلمين، ولا يرقب فيهم إلاً ولا ذمة؟! ما رأيت فاجراً يسعى بإفساد ذات البين؟! هل ضاقت الصور عن كل سيئٍ فما أبصرت إلا هذا المتبع للسنة؟! هذا التقي النقي الورع الزاهد العابد! الذي قصر -في نظرك أو نظر غيرك- ربما في شيءٍ ليس من الواجبات، ربما في المستحبات في باب العلاقة، ولكنه قد أكمل الأمر فيما بينه وبين ربه! أو كاد أن يُكمل الأمر صلاحاً واستقامة، لا زنا ولا خمر ولا رشوة ولا ربا ولا فساد، ولا ملاهي ولا صور محرمة، ولا مجلات ٍخليعة، فما تتسلط إلا على مثل هذا! هذه من آفات اللسان يا معاشر الأحبة.

أسأل الله جل وعلا أن يحفظ لي ولكم أعمالنا، اللهم احفظ لنا أعمالنا، اللهم احفظ لنا أعمالنا، اللهم احفظ لنا أعمالنا، بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.