للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معرفة الداء والدواء، واللين في النصيحة]

من واجبنا أيها الأحبة! أن نعرف الداء والدواء، وفي حال العلاج لابد أن نُحسن الظن، بعض الناس ربما قال: وأنت لم تقصد إلا كذا، وقد ثبت لنا من البينات والقرائن ما لا يدع مجالاً للشك أنك قصدت كذا، واعلم أن من فعل ذلك فعاقبته كذا وكذا، فإذا بصاحب الرسالة أو صاحب الكتابة يقرأ بياناً مسبقاً أنه أصبح من أهل جهنم وساءت مصيراً، وهذا أمر لا يجوز أبداً.

فعلينا أن نتلطف، علينا أن نكون في مستوىً طيبٍ من اللباقة حال النصيحة: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:٤٤].

دخل واعظٌ على أحد الخلفاء أو الملوك، فقال: إني محدثك ومشددٌ عليك، فقال الملك أو الخليفة: على رسلك، لقد بُعث من هو خيرٌ منك إلى من هو شرٌ مني، بُعثَ موسى وهارون إلى فرعون، ومع ذلك قال الله: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:٤٤] فالقول اللين مطلوب، حتى لا يُصاب الإنسان بعزة الباطل، فتأخذه العزة بالإثم.

يا عباد الله، واجبنا يوم أن نرى زلات اللسان وآفات اللسان في مقالٍ أو في جريدة، أو في صحيفة، أو في مجلس، من واجبنا أن نُرسل أو نُكلم، أو نُهاتف صاحبها، ونكلمه كلاماً ليناً ونفتح له خط الرجعة، ولا نبين له أنا شققنا عن قلبه، أو نحكم أننا عرفنا مقاصده، حاشا وكلا، فلا يعلم خائنة الأعين أو ما تخفي الصدور إلا الله جل وعلا.

فنقول: إن كان المقصود كذا فهذا لا يجوز، وإن كان المقصود غير ذلك، فالأولى والأحرى والمظنون بمثلك وأمثالك أن يسلكوا سبيلاً للتعبير غير هذا، وخير للعبد أن يقول كلاماً يُوضع في موازين أعماله.

ذات مرةٍ سألتٌ واحداً من الصحفيين، أسأل الله أن يهديه، وأن يهدي قلبه، وأن ينفع به الإسلام والمسلمين إنه أرحم الراحمين، كان يكتب في مجلةٍ من المجلات، وكنتُ أتابع أسابيع كان يكتبها فقابلته: وقلت: يا أخي الكريم! يوم القيامة إذا وقفت أنا وأنتَ وسائر الناس والصحفيين ورؤساء التحرير، وكل ملكٍ وأمير ووزيرٍ وحقيرٍ وصعلوكٍ وفقير، إذا وقفنا بين يدي الله جل وعلا؟ وجيء وقيل فلان بن فلان، ثم قدمت هذه الأسابيع التي كتبتها في الجريدة الفلانية، هل يسرك أن تلقى الله جل وعلا بها؟ فقال: لا والله لا يسرني أن ألقى الله بها، قلت: يا أخي الحبيب! يا أخي الكريم! إذاً لماذا؟! لماذا تجتهد في كتابة شيءٍ يأخذ من وقت ومن بصرك ومن فكرك، ثم في النهاية تتبرأ منه؟! ولا يسرك أن تلقى الله به يوم القيامة.