للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فطرة الإنسان على التوحيد]

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:١٠٢].

معاشر المؤمنين! لا يشك مسلمٌ أن البشرية وأن من خلق الله من بني الإنسان إنما وُلد على الفطرة، وأن ما يصيبه من التغير أو التحريف أو التبدل، إنما هو لأسبابٍ أهمها: هذه البيئة المحيطة به، والتي ينعكس لونها وصبغتها على سلوكه وتصرفاته ومعتقداته، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل مولودٍ يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو يمجسانه، أو ينصرانه) ولم يقل صلى الله عليه وسلم: أو يمسلمانه، لأنه مفطور ومولودٌ على الإسلام أصلا، ويقول الله جل وعلا: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم:٣٠].

ويقول الله جل وعلا: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا} [الأعراف:١٧٢].

فنحن معاشر الأحبة قد أخرجنا من صلب آدم كأمثال الذر، وأشهدنا ربُ العزة جل وعلا على ربوبيته لنا وشهدنا بذلك، فالفطرة والدينونة بالوحدانية لله جل وعلا أمرٌ شهدنا به على أنفسنا، وفُطرنا عليه، ولله الحمد والمنة إنها لمن أعظم النعم.

معاشر الأحبة! قد يعجب قائلٌ من هذا الكلام لما يراه من أبناء المسلمين من انحرافٍ عن الإسلام، وبعدٍ عن تعاليمه ووقوعٍ فيما نهى عنه، كيف يكون هذا موافقاً لما فُطروا عليه، وموافقاً لما جبلوا عليه، وموافقاً لما أقروا به لله سبحانه وتعالى! نعم أيها الأحبة في الله! لا عجب ولا غرابة فإن هذا الاعتراف والإقرار، إنما تكون درجة كماله ودرجة تمامه بحسب انقياد العبد لله جل وعلا في تصرفاته وفي دقيق أعماله وجليلها.