للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إمكان الرجوع إلى الفطرة في كل الأحوال]

أيها الأحبة في الله! نسوق هذه المقدمة، لكي ندخل بها إلى قضيةٍ ينبغي أن نُسلم بها، وهي أنه مهما كان في شخص من بني آدم أو مهما كان في أي إنسان من بني البشر، من الفساد والانحراف والشذوذ والبعد عن كتاب الله وسنة نبيه، ما دام أصل الإسلام باقياً في قلبه، وما دام جذر التوحيد باقياً في قلبه، فإنه ينبغي أن نسلم أن لا غرابة ولا بعد أن يعود إلى الاستقامة وإلى الهداية بين عشيةٍ وضحاها، وألا نستبعد عليه الهداية مهما كانت معصيته، وألا نستبعد عليه الاستقامة مهما كانت جريمته؛ لأن هذا أمرٌ معلقٌ بقلبه وقلب هذا العبد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء، وإن الناس أنفسهم يظلمون.

أيها الأحبة! قد ترى شاباً لم يترك زناً إلا فعله أو خمراً إلا شربه، أو رباً إلا أكله، أو زوراً إلا شهد به، أو عقوقاً إلا فعله أو قطيعةً إلا ارتكبها، أو جريمة من الجرائم إلا حدثت منه، وإن الواحد ليعجب كيف يُدعى مثل هذا إلى الله كيف ندعو رجلاً أو شاباً كهذا إلى الله سبحانه وتعالى.

نعم أيها الأحبة! له حق الدعوة وله حق الهداية، هداية الدلالة والإرشاد؛ لأن العباد أمروا بالبلاغ ((فإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ)) [آل عمران:٢٠].

ثم اعلموا بعد ذلك أن دين الإسلام ينتشر في النفوس وينتشر في المجتمعات وفي الأمم والدول بقوته الذاتية، قبل أن يكون الجُهد مسنداً إلى أبنائه، إن في ديننا قوةً ذاتية، هي التي تدفع بنفسها وتنتشر بقوتها التي أودعها الله في هذا الدين، وإلا فلو أن الأمر عائدٌ إلى جهد أبنائه أو جهاد رجاله، والله ما كان له هذا الانتشار، وما كان له هذا الصيت الذائع، لكنها قوة الإسلام بذاته، قوةٌ ذاتيةٌ تدخل في سويداء القلوب فتؤثر على هذه المضغة فينعكس التأثير هدايةً مطبقةً على الجوارح، ولذلك أمثلةٌ كثيرة من القديم والحديث.