للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[دروس وعبر من إسلام عمر]

ينبغي ألا نستبعد هداية بشرٍ من البشر مهما كانت معاصيه، ومهما لج في ألوان الشهوات والمنكرات، كان اثنان من الصحابة رضوان الله عليهما قبل إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتحدثان فيه، فقال أحدهما للآخر: لعلك طمعت في إسلام ابن الخطاب، فقال: إي والله إني لأطمع في إسلامه، فقال: والله لو أسلم حمار آل الخطاب ما أسلم عمر هذا.

ثم تدور الأيام دورةً قليلة فيأتي عمر بن الخطاب رضي الله عنه يضرب دار الأرقم بن أبي الأرقم بيدٍ قويةٍ غليظة فيرتجف الصحابة داخل الدار، فيقوم أشجع القوم وأكمل الرجال صلى الله عليه وسلم فيفتح الباب، ثم يأخذ بتلابيب عمر ويقول: (أما آن لك يا ابن الخطاب أن تسلم، ثلاثاً) فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله، بعد أن دخل على أخته وزوجها وفي أيديهما رقعةٌ من القرآن يقرءان فيها، فحاول عمر أن يمسها، فأبعدت المرأة هذه الرقعة عنه؛ فضربها على وجهها حتى سقط القرط، ثم قال: إني أريد أن أسمع، فقالت: أنت مشركٌ نجس لا تمسها، ثم أسمعوه شيئاً من الآيات التي فيها، فدخل الإسلام قلبه وتوجه إلى دار الأرقم بن أبي الأرقم، وكانت القصة كما تعرفون، بعد أن كان من أعتى الناس على الرسول وأصحابه عاد من أقوى الناس حباً لنبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه.

فلما أسلم قال: أي قريشٍ أكثر للخبر ذكراً ونشراً؟ قالوا: فلان بن فلان، فذهب إليه يطرق بيته، فقال: قم يا فلان أما علمت أني أسلمت وشهدت أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فاخرج وأخبر بها من وراءك، تحدياً وقوةً وثباتاً وصموداً، ولما أراد رضي الله عنه أن يهاجر كان بعض الصحابة يهاجرون خفيةً ولواذاً، أما هو رضي الله عنه فقد جاء إلى قريش وهم عند الكعبة فقال: [يا معشر قريش! من سره أن تثكله أمه، فليلحقني ببطن هذا الوادي، فإني مهاجر] والله ما لحقه أحدٌ أبداً، وهو ذلك الغليظ الشديد، الذي كان يرعى إبل الخطاب وكان أعرابياً شديداً صلباً.

انظروا كيف هذب الإسلام النفوس، وانظروا كيف طوعها وذللها لطاعة الله، كان يمشي ذات يومٍ مع أصحابه فجاءت امرأة عجوز، قالت: يا عمير، فالتفت إليها وكأن الصحابة وجدوا في أنفسهم من مقالتها شيئاً، فالتفت إلى المرأة العجوز وأذعن برأسه وطأطأ إليها، ثم أخذت به لحاجتها متنحيةً عن الطريق، فقالت: يا عمر بن الخطاب كنت تدعى عميراً والآن سُميت عمر قد ولاك الله أمر المسلمين، يا عمر بن الخطاب، ثم أخذت تعظه، ثم أخذت تذكره وكأن الصحابة ثقل عليهم قولها على أمير المؤمنين رضي الله عنه، فعندما عاد إليهم قال: أتعجبون من ذلك لها؟! هذه التي سمع الله قولها من فوق سبع سماوات، أفلا أسمع لها؟! هذه المجادلة التي جاءت تجادل في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاورها وزوجها من فوق سبع سماوات وتقول عائشة: [جاءت المجادلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تجادل في زوجها وتشتكي إلى الله، جاءت عند رسول الله، والله ما بيني وبينها ورسول الله إلا الستر، لا أسمع شيئاً من كلامها، وسمع الله كلامها من فوق سبع سماوات] فسبحان من لا تخفاه خافية، ولا تشتبه عليه الأصوات، ولا تختلف عليه اللغات.

أيها الأحبة! أعجيبٌ بعد هذا أن نطمع في هداية شاب ضل الطريق؟! لا وألف لا، فلنكن على ثقة ولنكن على اطمئنان، أن قوة هذا الدين إذا وجدت من يحملها بأسلوب بلاغٍ مناسب فإنها والله تنفذ في الحجر الصلد والصخور الصماء، فكيف بقلوب بني آدم حينما يبذل الإنسان سعياً ولو قليلاً، فما أقرب الناس إلى الهداية!