للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بعض ثمار الحكمة والموعظة الحسنة]

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها؛ وكل محدثةٍ بدعة؛ وكل بدعةٍ في الدين ضلالة؛ وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار، عياذاً بالله من ذلك.

أيها الأحبة! نسوق تلك المقدمة وتلك القصص لكي نعلم، ولكي نتيقن أنه ينبغي أن ننظر لكل شابٍ رأيناه، ولكل من عرفناه وهو على حالٍ من الفساد والمعصية، أن ننظر له بعين العطف، وأن ننظر له بعين الخوف، الخائفين عليه من عذاب الله، المشفقين عليه من النار، المحبين له ما أحببناه لأنفسنا من رضا الله والجنة، لا أن ننظر لمن كان عليه أثرٌ من آثار المعاصي والمنكرات نظرة العلو والتكبر، أو أن نخاطبهم خطاب السيد لعبده أو الأمير لمأموره، لا وألف لا، فإن الناس في هذا الزمان كلٌ قد استغنى بحاجته:

كلانا غنيٌ عن أخيه حياته ونحن إذا متنا أشد تغانيا

كلٌّ غنيٌ بما آتاه الله جل وعلا، فلا سبيل إلى النفوس إلا بالتواضع وخفض الجناح، وطلاقة الجبين والبشاشة الدائمة، ورقة العبارة، والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن، إن هذا لهو خير سبيلٍ يدخل به الدعاة إلى الله إلى نفوس الناس مهما كانت معاصيهم، ومهما تنوعت منكراتهم، ومهما تلون منكرهم وباطلهم.

منذ أسبوعٍ أو أقل وقفت عند محلٍ من محلات التسجيلات الإسلامية فإذا بي أجد شاباً صبيح الوجه عليه علامات الهداية والتقى ويشع من وجهه نور إيمانٍ، هذا ما رأيته، وإذا به يخبرني قال: هذا كان محلاً لي وكان قبل شهرين أو ثلاثة محلاً أبيع فيه أشرطة الغناء وأشرطة اللهو، فمنّ الله عليّ بحادثةٍ بسيطة تبت إلى الله مما كنت فيه، وما فعلت فاحشةً أبداً، لكني كنت غافلاً غفلةً عجيبة، ثم تبت إلى الله وقلبت هذا المحل من محل تسجيلاتٍ خليعة وماجنةٍ، ومن مزامير الشيطان إلى مكانٍ أنشر فيه كلام الله وسنة نبيه، وندوات العلماء، والمواعظ النافعة الصالحة.

إذاً أيها الأحبة! ليس بعيداً وليس غريباً مهما كان الإنسان فيما كان، ومهما بلغت درجته ومنزلته، إن شباباً الآن في أرض الجهاد هم من أبناء الأثرياء ومن أبناء الكبراء، ما الذي أخرجهم إلى أرض الجهاد، لم يقل أحدٌ: إن هذا فرض عينٍ على رءوسكم، لكن ما الذي أخرجهم قالوا: أردنا الجنة واشتقنا إلى الشهادة، وطمعنا أن تغفر لنا الذنوب عند أول دفعةٍ من الدم، ورغبنا أن نرى الحور العين حال الموت، وأن نُشفَّع في سبعين من أهل بيوتنا، ولا حاجة لنا في دنيا نحن فيها من المراكب والقصور، وكل نعيم العيش ووفير الفراش.

أيها الأحبة! اعلموا أن هذا الدين قوته ذاتية فاحملوه برفقٍ وهدوء وقدموه في ثوبٍ قشيبٍ جميل فإن النفوس سرعان ما تستجيب له.

أسأل الله جل وعلا أن يُعز الإسلام والمسلمين، وأن يدمر أعداء الدين، وأن يُبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم من أراد بنا سوءاً فأشغله في نفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميره، يا سميع الدعاء، اللهم اهد إمام المسلمين، اللهم أصلح بطانته، اللهم اجمع شمله وإخوانه وأعوانه على الحق يا رب العالمين.

اللهم ما علمت في أحدٍ خيراً له ولأمته فقربه له، وما علمت في أحدٍ شراً له ولأمته فأبعده عنه، اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا غائباً إلا رددته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا عقيماً إلا ذريةً صالحةً وهبته، ولا ميتاً إلا رحمته.

اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، وأجدادنا وجداتنا، اللهم من كان منهم حياً فمتعه بالصحة والعافية على طاعتك، ومن كان منهم ميتاً، اللهم جازه بالحسنات إحسانا، وبالسيئات عفواً وغفراناً، بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين.

إن الله وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً، اللهم صل وسلم وبارك على نبيك محمدٍ صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء، الأئمة الحنفاء: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة، وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين.

اللهم انصر المجاهدين، اللهم ألف بين قلوبهم، اللهم وحد صفهم، اللهم اجمع شملهم، اللهم سدد رصاصهم، اللهم أقم دولتهم على كتابك وسنة نبيك يا رب العالمين، اللهم انصر المجاهدين في فلسطين، اللهم انصرهم على اليهود، اللهم عليك بأعداء دينك الجعفرية والاثني عشرية، اللهم عليك بهم، اللهم مزقهم شر ممزق، اللهم أهلك بعضهم ببعض، اللهم أشعل نار الفرقة بينهم، وفتيل الفساد والخلاف في صفوفهم، اللهم اجعلهم بدداً، ولا تبقِ منهم أحداً، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، فإنهم لا يعجزونك يا جبار السماوات والأرض.

إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.