للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من الخطأ التيمم عند الحدث مع وجود الماء]

ومن الأخطاء التي يقع فيها كثير من المصلين أن أحدهم إذا أحدث في مصلاه، ضرب بيده ما تحته من السجاد، ثم تيمم وصلى مع الجماعة، وهذا غالباً ما يحصل إذا كان الزحام شديداً بالمسجد، وقد يحصل كثيراً في الحرمين أو في المساجد الكبيرة، ويقع هذا عندما يكون الوقت بارداً، فيحدث الإنسان ثم يتكاسل عن الذهاب إلى مكان الوضوء ليتوضأ بالماء، أو يحدث هذا عند إقامة الصلاة، فيظن بعضهم أن إدراك الصلاة مع الجماعة بالتيمم أولى من الذهاب إلى الوضوء، فجميع ما تقدم ذكره مما يقع فيه كثير من الناس عن جهل أو حسن نية، والقول في ذلك: أن من ترك الوضوء بالماء مع إمكان حصوله على الماء، ثم عمد إلى التيمم؛ ففعله غير جائز، وصلاته باطلة، وذلك لأن الله تعالى لم يرخص في التيمم إلا عند فقد الماء، أو تعذر استعماله، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة:٦]، فدلالة الآية صريحة على أن التيمم لا يجوز عند وجود الماء، وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الصعيد الطيب طهور ما لم تجد الماء، ولو إلى عشر حجج -أي إلى عشر سنين- فإذا وجدت الماء، فأمسه بشرتك) رواه أحمد وأبو داود والترمذي.

ففي هذا الحديث بيانٌ أن التيمم لا يقوم مقام الماء إلا إذا فقد الماء، أما إذا وجد الماء أو سهل الحصول عليه ولو بجهدٍ، أو بشيءٍ من الكلفة في نواله قبل خروج الوقت، فلابد أن يتجه المسلم إليه، ولا بد أن يتوضأ، وألا يعدل عن الوضوء إلى التيمم.

قال ابن تيمية: وقد اتفق المسلمون على أنه إذا لم يجد الماء في السفر، تيمم وصلى إلى أن يجد الماء، فإذا وجد الماء، فعليه استعماله.

ومن الأمور التي ينبغي أن ننتبه لها -أيها الإخوة- وهو مرتبط بهذا: أننا نلاحظ كثيراً من المسافرين على قارعة الطريق، ورأيت هذا بعيني مراراً، وتراه ليس بينه وبين المدينة التي يقدم إليها إلا بضعة كيلو مترات، ثم تجده على الطريق يتيمم على جانب الطريق، ثم يصلي ومن معه، فواجب طالب العلم، وواجب من فقه حكم هذه المسألة أن يرشده وأن يبين له، وأن يقول: ليس بينك وبين المدينة التي تصلها إلا مسافةً قليلةً يمكنك أن تدرك الماء فيها قبل خروج الوقت، فعند ذلك ينبغي أن ننتبه لهذه المسألة، وعند ذلك نرشده، ولا يقع في خطأ يودي بالبطلان في صلاته.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.