للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أضرار الخمر وحكم الشرع فيها وفي أمثالها]

لقد تكلم السلف والخلف في هذا فذكر ابن القيم والذهبي رحمهما الله، الأول في حادي الأرواح، والآخر في كتاب الكبائر ما فيها من الضرر الواقع فعلاً والصريح والمستنبط فيه: فأولها: اغتيالها للعقل، وكثرة اللغو على شاربها، وإسراف المال، وبذل المال في غير محله، وهي رجس من عمل الشيطان، موقعة للعداوة والبغضاء بين الناس، بل تجعل صاحبها يرتكب ما هو أعظم من ذلك، وقد قلت وأعيد: أن شاباً شرب الخمرة فجاء وزنا بأمه بعد إكراهها وإجبارها على ذلك! يحدثني بهذا قاض من القضاة الذين حكموا بقتل هذا الواقع فيها وشربها (ومن وقع على ذات محرم فاقتلوه) نسأل الله لنا ولكم السلامة في الدنيا والآخرة.

ثم إنها داعية إلى الزنا، وربما دعت -كما قلت- إلى الوقوع على المحارم من بنات وأخوات.

أما ذهاب الغيرة عن صاحبها فلا تسل، وسبيل الديوثية إلى داره ميسر يوم أن يقع فيها ويدمنها، ناهيك عن ما تورثه من الخزي والندامة والعار والفضيحة مع أنها تكسوه أقبح الأسماء والصفات، وتسلبه أجمال الأوصاف والنعوت.

أما هتكها للأستار فعجيب! وقد كذب ذلك الشاعر الذي قال:

وللسر مني موضع لا يناله جليس ولا يفضي إليه شراب

فكم ظهرت الفضائح، وهتكت الأستار، وشاعت الأسرار؛ بسبب كأس تلاها ثمالة.

أيها الأحبة! وحسبكم أنها أم الخبائث، والعجب في أقوام يجادلون في أنواع جديدة ومشتقات طارئة ويرون أن الخمر ليست إلا من العنب فحسب، فتجد بعض المعاندين الذين يعلمون علم اليقين حرمة ما يعاقرونه ويتعاطونه، وجحدوا بحرمته واستيقنت ذلك أنفسهم ظلماً وعلواً، ويلحق بهذا أولئك الذين يصرون على تعاطي المخدرات وما وافقها وأفضى إلى ما أفضت إليه، أو من يتعاطون القات وما شابهه في أحكامه، ولقد أجاد الشيخ/ حافظ بن أحمد الحكمي لما سئل عن القات والمخدرات والمسكرات والدخان أيضاً، فقال مجيباً بأبيات جميلة رقيقة لأولئك المتشككين في حكمها وبيان حقيقتها:

يا باحثاً عن عفون القات ملتمساً تبيانه مع إيجاز العبارات

كله لما شئت من وهن ومن سلس ومن فتور وأسقام وآفات

كله لما شئت من لهو الحديث ومن إهلاك مال ومن تضييع أوقات

لقد عجبت لقوم مولعين به وهم مقرون منه بالمضرات

في الدين والمال والأبدان بل شهدوا بسكرهم منه في جل المقامات

إني أقول لشاريه وبائعه إن لم يتوبوا لقد باءوا بزلات

كذا الدخان بأنواع له كثرت وغير ذلك من نوع الدنيئات

داء عضال ووهن في القوى ولها ريح كريه مخل بالمروءات

أليس في آية الأعراف مزدجر لطالب الحق عن كل الخبيثات

والنهي جاء عن التبذير متضحاً وعن إضاعة مال في البطالات

دع ما يريبك يا ذا اللب عنك إلى ما لا يريبك في كل المهمات

أيها الأحبة! آفاتها عجيبة، ولقد ذكر الشيخ البيحاني من علماء اليمن رحمه الله رحمة واسعة: أنها تخدر المراكز العصبية العليا، فيصاب شاربها بالجنون وضيق النفس والقلق الذي لا ينقطع، فيتداوى منها بها فيدخل دائرة الإدمان حتى يموت على ذلك، إلا أن يتداركه الله برحمة وتوبة.

ثم إنها تنبه القلب تنبيهاً شديداً يعقبه الضعف والهبوط المفاجئ، وتضعف مناعة الإنسان، وتعرضه للعدوى بكل مرض من الأمراض، ومدمن الخمر معرض للإصابة بالسل أكثر من غيره، ونسبة نجاح العمليات الجراحية في مدمني الخمر قليلة جداً، وقد أجري فحص دقيق في مستشفيات عدة للأمراض العقلية في أنحاء مختلفة من العالم، وقد أسفر الفحص أن ما يقرب من (٥٠%) من نزلاء تلك المستشفيات من أهل الخمور وسلالة المتعاطين لها.

ثم إنها تتلف الكبد والكلى، وتسبب الضعف العقلي والجسمي والعصبي والجنسي أيضاً.