للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معرفة أن أعداء الإسلام لا يملون في حربهم على الإسلام وأهله]

أخيراً أيها الأحبة: ينبغي أن نعلم أن أعداء هذا الدين لا يفترون، ومع علمهم أنهم على الباطل، وعلى ما يسخط الله جل وعلا، وأنهم على الضلال المبين، يحترقون لعقائدهم الباطلة، ومذاهبهم الهدامة، وهذه والله مصيبة، كم منظمة تنصيرية تعمل بين المهاجرين في أفغانستان؟! قرابة خمس وسبعين منظمة، تملك سيارات الإسعاف، وتملك الوسائل، والمطبوعات، والغذاء، واللباس وأشياء كثيرة كثيرة، المنصرون يدخلون في أدغال أفريقيا، وأحدنا نقول له: يا أخي! ادعُ إلى الله جل وعلا بما يسر لك.

قال: أتريد أن يضحك الناس علي؟! ما قالها ذلك المنصر، ولم يحتقر جهده في الضلالة والباطل، بل أخذ يدعو بما استطاع.

آخر تقول له: ادعُ إلى الله.

فيقول: من يستقبلني؟! ومن يقف بالمدخنة؟! ومن يعطيني كرامة؟! ومن يصرف لي انتداباً؟! لا يا إخوان! هذا الدين يريد احتساباً، ولا يريد انتداباً.

فجهود أعداء الإسلام عجيبة جداً، وكما يقول عمر: [اللهم أشكو إليك جلد الفاسق وضعف الثقة]، (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف).

فحينما ننظر إلى جهود هؤلاء الأعداء، سواءً في ترتيب جهودهم، أو تنظيمها أو تخطيطها نتعجب، نحن نفكر كيف نواجه الخطر الداهم الموجود الآن، وأولئك يفكرون فيما بعد عشرين وثلاثين سنة قادمة، أين المسلم الذي يفكر لهذا الدين والدعوة إلى الله والعمل للإسلام بعد عشرين سنة؟! كيف سيكون حال الدعوة إلى الله جل وعلا؟! الناس كانوا فيما مضى لا يعرفون إلا واعظاً يقوم فيتكلم بعد الصلاة في المسجد وتنتهي، هذا أسلوب الدعوة المنتشر عند كثير من الناس، لما بدأ الناس يستخدمون التسجيل أنكر طائفة: مَن هذا المجنون الذي يأتي بمسجل في المسجد، صار هناك نوع من الإنكار، استخدمت وسائل جديدة في الدعوة، (ومن جهل شيئاً عاداه).

وقدر كل امرئٍ ما كان يحسنه والجاهلون لأهل العلم أعداءُ

فطائفة جهلوا بعض الوسائل وعادوها في حين أن أعداء الإسلام سبقوا هذه الوسائل بمئات المرات لكن صدق الله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [الأنفال:٣٦].

والله ما دار بخلدهم أن هذه المكبرات ستكون في مساجدنا، ما دار بخلدهم أن أجهزة التسجيل ستكون وسيلة من وسائل الدعوة إلى الله في البيوت والأماكن التي قد لا يصلها حتى الكهرباء، ما دار في خلدهم أن كثيراً من منتجاتهم ستستخدم، لكن لما وعى المسلمون وفهموا واستخدموا مثل هذه الوسائل، احتاجوا إلى مزيد منها، نعم.

نحن لا ننتظر الغرب أن ينتجوا شيئاً ثم نحن نبرمجه ونحوله لكي يخدمنا، نحن بحاجة -أيضاًَ- إلى أن نطرح وسائل تخدمنا نحن، الذين صنعوا التليفون أول ما بدءوا في صناعته كان مبرقة، وبعد ذلك طاحونة يفرها حتى تَصِلَ شُحنةٌ ويكون من خلالها إرسال، وبعد ذلك توصلوا إلى هاتف يدور بالقرص -يعني: أهمهم أمر دنياهم فاشتغلوا- بعد ذلك توصلوا إلى هاتف بالأزرار، ثم بعده هاتف يحفظ الأرقام، ثم بعده هاتف بإمكانيات أكثر، وتوصلوا إلى هاتف يعطيك رقم المتصل أو يخرج صورة المتصل، وما زالوا في سباق متطور؛ لأن أمر دنياهم أهمهم.

فنحن معاشر المسلمين هل أهمنا أمر ديننا، هل رفعنا من قدراتنا، ومن ثقافاتنا، ومن وعينا، ومن معلوماتنا، والإمكانيات الموجودة بين أيدينا، من إخواننا وأحبابنا؟! قبل عشر سنوات من تاريخ الآن وهو كما كان لم يتغير، المسلم دائماً في نمو وفي تقدم وفي تطور، فلماذا لا ترفع نفسك؟ لماذا لا تثقف نفسك؟ لماذا لا تزيد حظك من القرآن، ومن السنة ومن الوعي ومن الدعوة ومن الهداية؟ هل يحول أحد بينك وبين هذا؟! أبداً والله؛ لكن المصيبة -أيها الإخوة- أننا لا يهمنا، يعني: الكثير لا يهمه أمر هذا الدين.

أحد السلف يقول: وددت أن هذا الخلق أطاعوا الله وأن جسمي قرض بالمقاريض.

يعني: فلتذهب روحي فداءً ولو قُطِّع لحمي قطعة قطعة في سبيل أن الناس يهتدون إلى أمر الله ودين الله جل وعلا.

فمن منا قدَّم؟! القليل القليل هو الذي يقدم، ومن الناس من يقف موقف المرجف المثبط أو ناشر المقالة السيئة عن إخوانه الطيبين ولا حول ولا قوة إلا بالله! ومن المواقف التي تدل على أن المسلم يحتاج إلى الصبر ويحتاج إلى استعداد للمعاناة التي يمكن أن تمر به من خلال ما يدعو إليه.

الإمام أحمد بن حنبل إمام أهل السنة، لما اتخذ الفساد منحىً دخل في العقيدة، القول بخلق القرآن، مسألة ليست مسألة فروع، فوقف وقفة قوية، من العلماء من تأول، ومنهم من تغير، ومنهم من انصرف، لكن الإمام أحمد ثبت، فسُجن وعُذب وأُوذي، ذكر أهل السير أنه رُبِط وعلِّق وانقطع به الحبل، والقيود الثقيلة ترسف في قدميه رضي الله عنه، ذكر ابن الجوزي في مناقبه: أنه جلد ثلاثة آلاف سوط.

ذلك الإمام الجليل.

وقال: والله لستُ أخشى الموت، ولكن أخشى سياطهم -حرارة السوط على الظهر، إذا كُشِف الظهر ثم جاء جلد السوط- فقال أحد تلامذته: يا أبا عبد الله! إنما هما سوطان، ثم لا تدري ماذا يُفعل بك.

يعني: يُغمى عليك ثم لا تعرف ما الذي يُفعل بك.

يقول الإمام أحمد: ما عزاني أحدٌ مثل رجلٍ سماه قال: كان من العيارين -من اللصوص- قال: يا أبا عبد الله! إني جُلِدْتُ ستة عشر ألف سوط منذ أن بدأت في هذا السبيل، -يعني: في طريق السرقة، وقطع الطرق والعبث والاعتداء على الناس وغير ذلك- وصبرت وأنا على الباطل، أفلا تصبر وأنت على الحق، قال: فما عزاني أحدٌ مثله.

فيا إخوان: لنعلم أن سبيل الدعوة إلى الله جل وعلا وحمل هذا الدين لا نقول: إنه مفروش بالورود والرياحين، لا؛ ستجد من يسخر، وستجد من يستهزئ، وستجد من يشكك فيك، وستجد من يرميك بما ليس فيك، ولكن: {وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ} [هود:٣٨] سيعلمون يوماً من الأيام أنك من الصالحين، أنك من المحبين {فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ} [غافر:٤٤] عقول مَن تخاطبهم قد تكون يوماً ما قاصرةً عن إدراك الحق الذي تبينه لهم، لكن في يومٍ ما يعرفون أنك على الحق.

فينبغي لنا أن نكون على مستوىً في رفعة أنفسنا بهذا الدين.

ولم أرَ في عيوب الناس عيباً كنقص القادرين على التمامِ

والله يا إخوة! من تأمل حال هذا الكون أمواتٌ يدفنون، ومرضى في المستشفيات، وأناسٌ يشردون، وقومٌ يعانون من الجوع والعري، وقومٌ يموتون من العطش، وأقوامٌ في فيضانات، وهذه الدنيا تطوي أناساً ليس لهم ذكر أبداً، أيسرك أن تكون مع الغثاء؟! أم تريد أن يكون لك وجود ومكانة، وأن يكون لك شرف ومنزلة، وأن تبقى لَبِنَتُك باقية؟! كم شهد التاريخ من الأثرياء؛ ومن الملوك والعظماء! هل يُذْكَرون في كل مجلس؟! لا.

ما ذكر إلا العلماء فقط، أما الأثرياء وأصحاب الدنيا وما يتعلق بها، لم يذكروا، ذُكِر عالم فقير رباني جليل زاهدٌ ورع، ذُكِر هؤلاء الذين رفعوا أنفسهم بدين الله جل وعلا، وسمت نفوسهم إلى أن ثبت بناؤهم على الأرض، فما مر جيلٌ من الأجيال إلا قال: هذا بناءٌ كان لفلان عليه رحمة الله.

يقول إبراهيم بن أدهم في شأن هذا الكون، وشأن هؤلاء الناس الذين تراهم، وهذه أبيات أحب أن أكررها دائماً، أحبها وأحب أن أُسْمِع إخواني بها:

إذا ما مات ذو علمٍ وتقوى فقد ثُلِمَت من الإسلام ثُلْمَهْ

وموت الحاكم العدل المولى بحكم الأرض منقصة ونقمهْ

وموت فتىً كثير الجود محلٌ فإن بقاءه خصبٌ ونعمهْ

وموت الفارس الضرغام هدمٌ فكم شهدت له بالنصر عزمهْ

وموت العابد القوَّام ليلاً يناجي ربه في كل ظلمهْ

فحسبك خمسةٌ يُبكى عليهم وباقي الناس تخفيفٌ ورحمهْ

الخمسة الذين ذكرهم في الأبيات: العالم، المجاهد، العابد، الشجاع، الكريم.

فحسبك خمسةٌ يُبكى عليهم وباقي الناس تخفيفٌ ورحمهْ

وباقي الخلق همجٌ رعاعٌ وفي إيجادهم لله حكمهْ

فيا إخواني الشباب! أيها الإخوة جميعاً: هل نحن من الرعاع، مثل البهائم؛ ثغت ورغت، وأكلت وشربت ثم ثلطت، وأخرجت ونُحرت أو ماتت! أم يكون لنا شأن! كم هدى الله على يدك من ضال؟! كم أسلم على يدك من كافر؟! وكم فرج الله على يديك من كربة؟! أين العمل؟! أين الجهد؟! أين البذل؟! وأقول في المقابل -أيها الإخوة- هناك أقوامٌ رءوسهم لامست السحب عزة وكرامة، وأناسٌ يقولون: نتوب أو لا نتوب! نترك أغاني، أو لا نترك، نترك المعاكسات أو لا؟! نسحب الثوب أو نرفع فوق الكعب لكي نطبق السنة! ننظر للنساء في التلفاز أو لا ننظر! لاحظ! الإنسان يريد أن يشتري الموت شراءً.

من مدة كنت في أحد مكاتب الخطوط، جاء إليَّ شاب في وظيفة محترمة ممتازة قال: والله أنا أريد أن أذهب إلى أفغانستان، ولا أريد أن أعود أبداً.

قلت: وما معنى هذا؟ قال: قبري هناك.

سبحان الله العلي العظيم! بين شابٍ هذا شأنه، وآخر لا يزال في مفاوضات وعقد اجتماعات وقمم مع الشيطان: نترك نصف الأغاني أو ربعها؟ نسحب نصف الثوب أو بعضه؟ نشاهد المسلسلات أو لا نشاهدها؟ نترك الأفلام الماجنة أو لا نتركها؟ نترك الورق والعبث والبلوت والأشياء التي لا تليق أم لا؟ فسبحان الله! هذا المجتمع فيه طبقات متباينة، فانظروا أنتم مع مَن؟ ضعوا أنفسكم في المكان الذي يسركم ويشرفكم أمام الله أن تلقوه به.

وختاماً أيها الأحبة: أشكر لله جل وعلا وحده ثم لكم على هذه الفرصة الطيبة المناسبة، وأعتذر أن تحدثت بين يدي أساتذتي، أو ممن هم في مقام الأساتذة والمربين، وما ذاك إلا لتفض