للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

همّ الداعية أن ينتصر الإسلام

فيا معاشر المؤمنين إن ما نسمعه وما نراه من جهود الدعاة ومن نصائحهم ومن خطابهم، ومن توجيههم إنما هو لوجه الله، لا يريدون بذلك جزاءً ولا شكوراً، لا يريدون قرضة، ولا خطاً عريضاً في الجريدة، ولا زاوية أسبوعية، ولا مكافأة مالية، ولا مرتبة وظيفية، وإنما يريدون وجه الله، كما قال أحد السلف: وددت أن هذا الخلق أطاع الله وأن جسمي قرض بالمقاريض.

الداعية من السلف الصالح يقول: قطعوا جسمي بالمقاريض -أي: بالمقص- قطعة قطعة في سبيل أن يعود الناس إلى الله، والإمام العابد المجاهد/ عبد الله بن المبارك يقول: وددت أني أكون فداءً لأمة محمد.

ووالله إن الدعاة والمخلصين يودون أن يكونوا فداءً لهذه الأمة في سلامة دينها ونقاء عقائدها، واجتماع شملها ووحدة صفها واجتماع كلمتها، ولو كانوا هم الفداء بذلك، ولكن كما قال القائل:

نسجت لكم غزلاً رفيعاً فلم أجد لغزلي نساجاً فكسرت مغزلي

بعض الناس لا يرى إلا أن كل صيحة وكل كلمة وكل صرخة وراءها ما وراءها، ووراء الأكمة ما وراءها، إنا لا نعني بذلك أن تعطل العقول، ولا أن نلغي سبر الأقوال والمقاصد والكلمات، ولكن ما أسر عبد سريرة إلا أظهرها الله على لمحات وجهه وفلتات لسانه، إنك لترى وتفرق بين خطاب المخلصين والمنافقين، وتفرق بين الذين يدّعون حقيقة الإخلاص دعوى زور وبين الذين هم يمثلون حقيقة الإخلاص لهذه الأمة.

فلو قبل مبكاها بكيت صبابة بسعدى شفيت النفس قبل التكلم

ولكن بكت قبلي فهيج للبكا بكاها فقلت الفضل للمتقدم

ليست النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة، نعم.

إن الدعاة حينما يذرف أحدهم دمعة خرجت من قلبه قبل أن تخرج من عينه، وحينما يقول كلمة تلجلجت في صدره وتفاعلت في سويداء فؤاده قبل أن تخرج على لسانه، أما أولئك الذين يريدون بالكلمات أي مصلحة من مصالح الدنيا فنقول لنا ولهم ولأنفسنا ولغيرنا: سيجمع الله الأولين والآخرين في مقام واحد، ويقول سبحانه: {لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ} [الأحزاب:٨] حتى الصدق أنت مسئول عن الصدق فيه: {لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ} [الأحزاب:٨] وسينكشف غداً الذين كانوا على حقيقة الإخلاص والولاء لله ولرسوله ولكتابه وأئمة المسلمين وعامتهم، سينكشف أولئك وينكشف الذين يدّعون هذا.

ولست هنا أفرق مجتمعنا لكني أقول: إن المجتمع لا يخلو من المنافقين، لا يخلو من المرجفين، لا يخلو من المثبطين الذين منهجهم عدة الشيطان الأمر بالفحشاء والتخويف من الفقر.

نسأل الله أن يحفظنا وأن يجمع شملنا وشمل ولاة أمرنا وحكامنا وعلمائنا على ما يرضيه، إنه سميع مجيب.

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.