للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سوء تصرف الشباب]

أيها الأحبة في الله! لقد امتلأت الأسواق، وازدحمت الطرقات، وأوذي المسلمون من قبل فئة قليلة من الشباب هداهم الله، وردهم إلى الحق رداً جميلاً، وليس عجيباً من أولئك، وليس بدعاً في سلوكهم، وليس غريباً في تصرفاتهم، فلا يأتينك من وادٍ إلا سيله، وكل إناء بالذي فيه ينضح، والألسنة مغاريف القلوب، فما سمعتم من الصيحات والأهازيج والهتافات إنما ذاك أمرٌ أخرجته الألسنة، وقد كان موفوراً قابعاً في الصدور والقلوب، وما رأيتم من التصرفات والأفعال، فذاك مبلغ أفعالهم، ومبلغ ما يدور بخلد الكثير منهم.

إذاً يا عباد الله! لا ننتظر من أولئك الذين أشغلوا عباد الله ليالي معدودة يدورون بالطبول والأعلام، ويجوبون الشوارع والطرقات بالأهازيج والصيحات، بل وأشد من ذلك يعتدون على الأبرياء من الذين لا ساغية لهم ولا راغية، ولا ناقة لهم في هذا الأمر ولا جمل، فهذا هو العجب، وهذا هو الخطر، وهذا هو عين المصيبة.

هل بلغ بالشباب جنون الكرة إلى حدٍ تغلق فيه الطرقات؟! هل بلغ بالشباب جنون الكرة إلى حدٍ توقف فيه السيارات في الشوارع؟! والله يا عباد الله! إن هذا أمر لا يليق السكوت عليه ولا يجوز ولا ينبغي؛ لأن العاقبة التي بعده وخيمة، ولأن خطر السكوت أعظم، يقول الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال:٢٤] فما حال هؤلاء مع الاستجابة؟ أترون الاستجابة لله ولرسوله أن تكون بهذا الأسلوب، أو بتلك الوسيلة، أو بهذه الطريقة: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال:٢٤] ثم يقول الله جل وعلا: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال:٢٥].

والله، ثم والله، ثم والله، إن لكل حسنة ثواباً، ولكل سيئة عقاباً، فلا يستبعدن أقوامٌ عاقبة هذه الأفعال الشنيعة، ولا يستبعدون قرب حدوثها ما لم يراجعوا ربهم، وما لم يتوبوا، وما لم نأخذ جميعاً على أيدي الظالمين، وعلى أيدي المستهترين من أولئك الشباب.

أيها الإخوة! لو كانت عقوبة الأفعال والجرائم تنزل خاصة بهم، لكان الأمر هيناً ميسوراً، لكن العقوبة إذا نزلت عمت، ويبعث الناس على نياتهم يوم القيامة.

عباد الله! لا ننتظر من أولئك الشباب أن يعظوا الناس في المساجد، فالكلاب لا تجيد غير النباح، ولا ننتظر من أولئك الشباب أن يكونوا أئمةً أو هداةً مهتدين في ذلك الوقت؛ لأن القطط لا تجد غير المواء، لكن المصيبة أن يسكت كل واحدٍ منا، وألا يمسك بتلابيب من يراه من الشباب مخوفاً له بالله ألا تتق الله، ألا تخشى الله في نعمة الله، شبابك، قوتك، سلطتك، أيديك، وأرجلك، أعينك، وسمعك، وبصرك، أكل هذا الذي خلقه الله تسخره في معصية الله؟ فما حالك لو سلب منك شيء واحد من هذا؟