للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[العبرة من حادثة الإفك]

لقد جاءت الشريعة بكف الألسنة عن كل حديث لم يتحقق من حدوثه، حتى ولو كان لذلك الحديث نوع ارتباط بحدث معين، أو واقعة بعينها، وظل الناس في تحليلها وتعليلها، يقول الله جل وعلا في شأن شائعة الإفك التي رميت بها زوج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة العفيفة ابنة الصديق الطاهرة، يقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْأِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْأِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ * لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ} [النور:١١ - ١٢] إلى أن قال سبحانه: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ * وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ * يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النور:١٥ - ١٩].

أيها الأحبة في الله: ومع وضوح الفارق بين حادثة الإفك والإشاعات التي تظهر في زماننا، إلا أن هناك جامعاً أو رابطاً يدعو إلى أخذ العبرة واستلهام الدروس من القصة، إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فالذين يروجون الإشاعات وينشرونها بين الناس، لا شك أنهم عصبةٌ متجمعةٌ ذات هدف واحد، قد يكون بعضهم مخدوعاً، وقد يكون بعضهم يظن أن فعله حسناً، وبعضٌ مغرر به في نشر الإشاعة أو الشائعة، ومهما كان في هذه الإشاعة من شر وخطر، فمن خلالها ينكشف أذنابها ومروجوها ومزيفوها، وينكشف للمجتمع فئة تكيد له في الخفاء، وأفراده لا يشعرون حتى تلقى تلك الفئة التي تنشر الشائعة جزاءها، ويعتبر بها من حدثته نفسه، أو سولت له أن يمارس ذلك الدور الشرير في صفوف مجتمعه، ومن خلال تلك الآيات يتضح لنا أن المسلم العاقل لو أعمل عقله، واستنار بهدي ربه، لانكشف له زيف كل إشاعة تظهر في مجتمعه ولو لم يكن في خطر الإشاعة إلا أن فيها نوعاً من إشاعة الخوف والجزع والقلق، والهلع والفاحشة في المجتمع المسلم، لكان ذلك حرياً بردها، ودفعها مع من جاء بها.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

{وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:٣٦].

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب، إنه هو الغفور الرحيم.