للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سرعة استجابة النبي صلى الله عليه وسلم لربه]

وهذه استجابة نبينا صلى الله عليه وسلم وهو الوحيد الطريد الشريد الذي لا ناصر له إلا الله، ولا معين له إلا الله، يؤذيه أهل مكة، ويضعون الشوك في طريقه، ويلقون سلى الجزور على ظهره، فيخرج هائماً، ويخرج منطلقاً على وجهه لا يجد أحداً يعينه، فيذهب إلى عبد ياليل بن كلال في الطائف، فيغرون به السفهاء، ويصفون له سماطين يرمون أقدامه بالحجارة حتى أدموها، ذلك النبي خير من وطئت قدمه الثرى، أشرف الأنبياء والمرسلين، يقول له الله جل وعلا: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الحجر:٩٤] هل قال: يا ألله لا يوجد إلا أنا، لم يبق إلا أنا، لا نصير، ولا معين، أنظرني حتى يكثر الأعوان، أنظرني حتى أجد قوة ومنعة؟ ماذا كان شأن نبينا صلى الله عليه وسلم بعد ورود أمر الله؟ كان شأنه الاستجابة لما نزل قول الله: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الحجر:٩٤] رقى إلى الصفا، ونادى قريشاً بطناً بطناً، وفخذاً فخذاً، واصباحاه، فاجتمعوا إليه، وقال: (لو قلت لكم: إني منذركم عن جيش يصبحكم، أو يمسيكم، هل أنتم مجربون عليَّ كذباً؟) قالوا: أبداً ما جربنا عليك كذباً، فقال: (إني رسول من الله إليكم، أن اعبدوا الله وحده لا شريك له) ودعوة الوحدانية هذه ليست أمراً يسيراً تفقهها قريش وتعرفها قريش، إنها تعني أن نلغي الحاكمية، وأن نلغي الطاعة، وأن نلغي الخضوع، وأن نلغي الاجتماع إلا لله، وعلى أمر الله، وعلى طاعة الله، هكذا فهمت قريش، فماذا كان جوابها؟ قال أشقاهم: تباً لك يا محمد، ألهذا جمعتنا سائر اليوم؟ استجاب النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت استجابة إصرار، لا هوادة فيها، فلما رأوا عظم شأنه، وصدق عزيمته، وقوة تطبيقه ومضائه، قالوا: يا محمد! اعبد إلهنا سنة، ونعبد إلهك سنة، فقال: ({لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون:٦]) قالوا: يا محمد! إن كنت تريد مالاً أعطيناك، وإن كنت تريد جاهاً سودناك، وإن كنت تريد جمالاً زوجناك، وإن كان الذي بك رئيٌ من الجن عالجناك، فماذا قال؟ قال: (والله لو وضعتم الشمس في يميني، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر، ما تركته) استجابتي لله لا يصدني عنها شيء، ولا يردني عنها شيء حتى ولو تندق هذه السالفة.

فاعجبوا واعلموا وتبينوا عظم استجابة نبيكم صلى الله عليه وسلم! بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.