للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أسباب السعادة]

الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:١٠٢].

معاشر المؤمنين! إننا نرى في حياتنا كثيراً من الرجال والنساء، والشباب والشيوخ، والشابات والعجائز يعانون من مرض وألمٍ غريب وعجيب، سريع في الحلول سريع في الزوال، ذلكم هو: الهم، والغم، والقلق، وشرود النفس، والخشية من المستقبل، وصدق الله العظيم حيث قال: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:٢٦٨].

أيها الأحبة: كم مرة رأينا ورأيتم فيها شاباً، أو كبيراً، أو مراهقاً، أو هرماً، يشكو هموماً وقلقاً، وتجد علامات الكآبة وآثارها بادية على وجهه، والشرود يذهب بأفكاره مشرقاً ومغرباً، وإذا تأملت حقيقة ما يدعوه إلى هذا الشرود، وهذا الهم والغم، لم تجد شيئاً كفؤاً لهذا كله، فلو كان الهم والغم لمسلمة اغتصبت بيد علج من العلوج الكفرة، أو لأجل يتيم قتل بلا ذنب، أو لأجل شعب شرد بلا جريمة، أو لأجل مظلومين أودعوا الزنازين بلا جرم، لربما كان لهذا الهم والغم سببٌ باعث عليه وأمر داعٍ إليه، ولكن العجب العجاب أن تجد هموماً وغموماً وقلقاً وخوفاً دون ما سبب يدعو إلى ذلك، بل إن ما حل بالمسلمين، وإن أثر على النفس فحزنت، وإن أثر على النفس فدمعت له العين وحزن له القلب، فإن ذلك لا يدعو إلى الجزع، ولا يدعو إلى السخط والدعاء بالويل والثبور، وإنما يدعو إلى مزيد من الجد والحزم والعزم لمواجهة الأقدار بالأقدار.

معاشر المؤمنين: فلنعلم -تماماً- أن هذه الهموم والغموم، وشرود النفس وخطراتها، وأفكارها ووساوسها، والقلق الذي يؤثر عليها، والكآبة التي تخيم على وجوه أصحابها ناتجة من أسباب، وقد جعل الله بأمره ورحمته أسباباً تدفعها وتزيلها، فإلى كل مهموم، وإلى كل مغموم، وإلى كل قلق خائف من المستقبل، وإلى كل من شرد فكره، وذهبت أفكاره حيص بيص، أو طارت خواطره مشرقة مغربة، فإليه نسوق هذه الوصفات الشرعية، والأدوية الإيمانية، والوسائل المجربة التي تجعل محل الهموم هماً واحداً نافعاً يسعى العبد في تحصيل ما ينفعه به، وتزيل الغموم، وتجعل محلها انشراحاً، وتزيل الكدر والخوف، وتجعل محلها تفاؤلاً.

أيها الشاكي وما بك داءٌ كن جميلاً ترى الوجود جميلاً

أيها الشاكي وما بك عيبٌ كيف تغدو إذا غدوت عليلاً