للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[العمل الصالح سبب للحياة الطيبة]

يقول الله جل وعلا: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل:٩٧] حياةً طيبة لمن؟: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:٩٧].

أيها المهموم أيها المغموم أيها الخائف من المستقبل! يا شارد الذهن قلق الخواطر متشتت الأفكار! عليك بالعمل الصالح؛ فإنه -بإذن الله- لا محالة مجلبة للحياة الطيبة والجزاء الحسن، والأمن والطمأنينة، إن لكل حسنةٍ ثواباً، ولكل سيئةٍ عقاباً، فاحرص على الحسنات ترى أثرها عاجلاً وآجلاً بإذن الله جل وعلا، أولست مؤمناً؟ بلى.

والإيمان يغرس في قلبك، وينسج في سويداء وشغاف فؤادك أن رزقك لو اجتمعت الإنس والجن على زيادته، ما زادوه قطميراً أو قليلاً أو كثيراً، وأن أجلك لو اجتمعت جيوش الأرض، وكان بعضهم لبعض ظهيراً على أن يحولوا بينك وبين آخر يومٍ من حياتك ليسبقوا الأجل بيوم أو ساعة ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، أوليس الذي خلقك الله؟ أوليس الذي يرزقك الله؟ أوليس الذي يحييك الله؟ أوليس الذي يميتك الله؟ فعلامَ الهم إذاً؟ وعلامَ الحزن؟ وعلامَ الخوف؟ عجبت ذات يوم من موظف جاء تارة يبكي وتارة تسبقه عبراته، وساعة تتحدر دموعه على وجنته، وتارة في شرود، وتارة يرفع صوته، اشتعلت به هذه الهموم بسبب وظيفته، فجعلته يطلق زوجته، وربما حرم من أبنائه زمناً، وما السبب والباعث والداعي؟ إنه الخوف من رؤسائه، إنه الخوف من مسئوليه فما زال بعض الحاضرين في ذلك المجلس يؤنسه ويقربه ويذكره ويخوفه بأن أجله ورزقه بيد الله حتى اطمأن وعاد ساكن البال.

أيها الأحبة: لا داعي إلى قلق، ولا حاجة إلى خوف، ولا محل لجزع، إذا كان المؤمن راضياً مسلِّماً، إذا كان المؤمن متيقناً معتقداً بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يرويه أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن أحدكم ليجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يؤمر الملك فينفخ فيه الروح، ثم يؤمر الملك بكتب أربع كلمات: برزقه وعمله وأجله وشقي أم سعيد).

فإذا كانت الأرزاق مقدرة، فوالله لا يزيدها قرب من سلطان، ولا يبعدها بُعدٌ عن سلطان، وإذا كانت الآجال محددة، فلا يدنيها دخولٌ في مهمة المعارك وحمى الوطيس وعند كعاب الأسنة، وعند رءوس السيوف، ولا يؤخر المنية نوم في الأقبية أو الخنادق أو الملاجئ: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف:٣٤] {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء:٧٨].

فالإيمان -أيها الأحبة- والعمل الصالح مما يبعثان على الجرأة والشجاعة والطمأنينة، وعدم الخوف من كبير وصغير، ومسئول وقريب أو بعيد، عدم الخوف على رزق أو أجل، والإيمان يبعث في النفس رضى وقناعة، فلو فتحت للعبد كنوز ما طغى وما تجبر، وما صعر خده للناس، وما مشى في الأرض مرحاً، إذ أنه يعلم أنه لن يخرق الأرض ولن يبلغ الجبال طولاً، إن وصف المؤمنين أن يكونوا راضين مسلِّمين: {لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} [الحديد:٢٣] إذا علمت أن ما أصابك من مصيبة، فإنها في كتاب عند الله من قبل أن يبرأ الله الخليقة، فإن في علم الله أزلاً أن هؤلاء الخلق قبل أن يخلقوا معلومٌ ما يفعلون وما يتركون، وما يرزقون وما يصابون.

أيها الأحبة: الإيمان والعمل الصالح يبعثان النفس على السعادة وعلى الطمأنينة، ولا يجعلان في القلب مكاناً للهم والغم أبداً، واعلم -يا شارد الذهن! يا خائفاً من المستقبل! يا متألماً بهمٍ أو غم لأمر لا داعي له- اعلم أن كثيراً من الناس مهموم بلا شيء، مغموم لأجل لا شيء، مكدرٌ بلا قضية، مشغول بلا مهمة، إنما هي وساوس وأفكار وخطرات تذهب به وتغدو وتروح وتجيء، وربما يكون عنده من القدرات ما يستطيع به أن يفعل خيراً، أو يقدم شيئاً كثيراً، ومع ذلك قعدت به همومه ووساوسه على ألا يفعل شيئاً، ولم يكن حظه إلا الهم والغم.