للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[لا تنظر إلى الحياة من زاوية واحدة مظلمة]

ويا أيها الشارد! ويا أيها القلق! ويا أيها الخائف من المستقبل! لماذا تنظر إلى الأمور بكل عين متشائمة؟ لماذا تنظر إلى الأمور من زواياها الضيقة، ومن تضاريسها الصعبة؟ لماذا لا تنظر إلى الأمور من أوسع أبوابها، من أطيب زواياها، من أجمل أسمائها، من أبهى صورها؟ انظر إلى كل قضية ستجد أنك ترى لها بابين ووجهين.

تقول هذا مجاج النحل تمدحه وإن تشأ قلت ذا قيء الزنابير

في زخرف القول تزيينٌ لباطله والحق قد يعتريه سوء تعبير

تقول: هذا مجاج النحل يعني: العسل تجد القضية الواحدة تنظر لها بمنظارين، تنظر إلى كل قضية بأصفى مناظيرها، وبأوسع أبوابها، وبأجمل زواياها، وبأسهل السبل إليها، وكان صلى الله عليه وسلم إذا خير بين أمرين، اختار أيسرهما.

اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد، وكان صلى الله عليه وسلم يعجبه التفاؤل، وإن الذي ينظر إلى أموره بهذه العين، فثق أنه سيبقى سعيداً في حياته سعيداً في معاملته سعيداً في زواجه، أوليس صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يفرك مؤمنٌ مؤمنة، إن كره منا خلقاً رضي منها آخر)؟ نعم.

قد تكره من زوجتك خلقاً معيناً، لكن إن نظرت إلى زوجتك ببوابة ذلك الخلق السيئ، وبمنظار تلك الخصلة السيئة، فلن ترى بعد الظلمة إلا ظلاماً، وإن تنظر إلى زوجتك بمقاييس وبأمور جيدة جميلة، وأخلاق طيبة فيها، فسترى أن تلك الخصلة السيئة هي في آخر مساحات النظر التي تنظر إليها.

ثم اعلم -يا أيها الخائف المتشائم! يا أيها المعتزل القلق البعيد الشارد عن الناس وعن نفسه- أن شرودك هذا ربما كان بسبب تفريطك بواجباتك، فإن من قام بواجبه، يفرح متى يسأله من كلفه بالواجب أن يقدمه، انظر إلى الطالب أياً كان مرتبته إذا كان قد أعد واجبه بأحسن وأبهى طريقة، ينتظر الساعة التي يسأله مدرسه: أين واجباتك؟ بل إذا غفل مدرسه عن الواجب، قال: إن علينا واجباً سألته فهاهو ذا أيها المعلم، تجد الموظف حينما يعد أعماله وأموره، يفرح متى يسأله مديره عن واجبات أسندت إليه.

تجد الشرطي أو رجل الأمن حينما يقوم بواجبه، يلذ حينما يسأله قائده عن مهمته، ولكن حينما تتساهل بواجبك وتضيع ما أسند إليك، وتهمل ما بين يديك، فإنك تكره من يسألك عن أعمالك، ولا تتمنى أن تقابل من تظن أنه سيستوقفك لحظة في عملك أبداً، قم بواجبك واسلم من اللوم، وقم بواجبك واسلم من الكلام قلَّ أو كثر، فإن التهاون والتفريط والتعدي كل ذلك يسبب الجزع والخوف والرغبة في البعد عن الآخرين، ثم يأتيك الشيطان ويقول لك: أنت قلق، عندك مرض نفسي، عندك مشكلة نفسية، عندك وعندك وعندك، وحقيقة مرضك أنك فرطت في الواجب، ولو قمت بواجبك في وظيفة، أو ميدان، أو أي مهمة كانت، فإنك ستكون سعيداً بإذن الله جل وعلا.