للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الدعوة لا تعرف اليأس ولا الملل]

فأنت أيها الداعية! مأمورٌ أن تدعوهم حتى آخر لحظة في حياتك، ومأمورٌ أن تدعوهم حتى آخر لحظة في حياتهم، فهذا نبينا صلى الله عليه وسلم وهو الرءوف الرحيم، عزيز عليه عنت أمته، حريص رءوف بها، يدعو عمه أبا طالب، يدعوه متى؟ في شبابه؟ أو عنفوان رياسته؟ أو قوة وجاهته؟ جاء يدعوه بعد أن دعاه مئات المرات، يدعوه في آخر لحظة عند تغرغر روحه، وحضور سكراته، وحلول ساعته، ويقول: (يا عم! قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله) إنها دعوة منذ البداية إلى النهاية: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:١٦٢ - ١٦٣] أنت مأمورٌ أن تدعوهم من بدايتك حتى آخر لحظة في حياتك، ومأمورٌ أن تدعوهم في عنفوان عصيانهم إلى آخر لحظة عند موتهم ما استطعت إلى ذلك سبيلاً.

تأمل ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم: فقد كان له جار يهودي، وعلم أن ولد جاره اليهودي قد احتضر، وأنه أوشك أن ينازع وأن تفارق روحه بدنه، فدخل عليه صلى الله عليه وسلم زائراً داعياً، فقال لهذا الغلام اليهودي في آخر لحظة من لحظات عمره: (يا غلام! قل: لا إله إلا الله واشهد أني رسول الله، ففاضت عين الصبي بالدمع، ونظر إلى والده اليهودي، ففهم أبوه أن غلامه يسأله، فقال والده: أطع أبا القاسم، فقال ذلك الغلام: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فقام النبي صلى الله عليه وسلم يكبر ووجهه يتهلل، ويقول: الحمد لله الذي أنقذه بي من النار).

نعم يا عباد الله: إن الدعوة لا تعرف يأساً، ولا تعرف مللاً، ولا تعرف انقطاعاً أياً كان من الأمور ما كان، لقد مات صلى الله عليه وسلم وتلك أعظم فاجعة، فهل ترك الصحابة الأمر من بعده؟ لقد مات أبو بكر، وقتل عمر، وقتل عثمان ظلماً وبغياً وعدواناً، ولقد قتل علي، وحصل لأمة الإسلام ما حصل منذ سنين طويلة، فهل ضاع الإسلام؟ وهل قامت الساعة؟ وهل تغير في الكون ما تغير من سنن الله الجارية الماضية؟ {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} [الأحزاب:٦٢] {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً} [فاطر:٤٣] فإن الأمور ماضية، ومن ابتلي فأمره إلى الله عز وجل.

أتصبر للبلوى عزاءً وحسبةً فتؤجر أن تسلو سلو البهائم

خلقنا رجالاً للتجلد والأسى وثمّ نساءٌ للبكا والمآتم