للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حادثة الهجرة]

انظروا إلى نبيكم صلى الله عليه وسلم وقد خرج من مكة ومعه حبيبه أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فلما لاذ النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه بـ الغار، إذ بقريش -يا ويح قريش! - تتبع هذين الكريمين، تتبع نبينا صلى الله عليه وسلم وصاحبه حتى دنوا من الغار وأبو بكر بات يرى نعالهم بعد أن سمع قرعها في مقدمهم باتجاه الغار، فقال يكلم النبي صلى الله عليه وسلم: لو أن أحدهم أناخ برأسه لرآنا، فقال صلى الله عليه وسلم في ذلك الموقف: (ما بالك يا أبا بكر! باثنين الله ثالثهما؟) {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة:٤٠] في أشد الساعات ظلمة وحلكة وعتمة وسواداً ينبثق ذلك الضياء من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم لِيُطَمْئِنَ أبا بكر على الدعوة والأمل يحدوه أن الله ناصره، لم يقلَّ عزمه، ولم تفتر قوته، ولم ييئس من رحمة الله.

واعجب إن شئت عجباً أن ترى سراقة بن مالك الجعشمي وقد خرج يطلب النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه لعله أن ينال جائزة أخرجتها قريش لمن يدل على رسول الله أو يأتي به حياً أو ميتاً، فلما قدم ودنا، وعلم أنه النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه، إذ لما دنا خطوات، ساخت قدما فرسه في الطين، فنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فماذا قال له صلى الله عليه وسلم؟ قال: (ما بالك يا سراقة! إذا لبست سواري كسرى بن هرمز؟) الله أكبر! نبي يخرج من مكة قد آذاه قومه، نبي تسلط عليه أقرب الناس إليه، يخرج بدعوته مهاجراً بها حيث أمره الله، في مقام شدة وكرب، ووراءه من يطلبه، وعين تلاحقه، فيقول: (ما بالك أو كيف بك إذا لبست سواري كسرى بن هرمز؟!) نعم إنه الأمل والفأل، وإنها بشارة وسنة نتعلمها من النبي صلى الله عليه وسلم ألا نتشاءم وألا نقنط.

نعم يحزننا أن نرى الناس يعصون الله، ونفرح حينما نراهم يطيعون، يحزننا أن نرى إدبار بعض شبابنا عن الإنابة إلى الله، ونسعد ونفرح إذ نراهم يقبلون على المساجد، ولكن أياً كان الأمر في إقبال أو إدبار، فإننا مأمورون باستمرار ومضي على دعوة صادقة لله عز وجل.