للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أهمية المساهمة في نشر العلم]

نعم، إذا مات ابن آدم انقطع أثره، وانقطع عمله، وانقطع ذكره، وانقطع ما بعده إلا إن ترك علماً ينفعه بإذن الله، فإن لم نكن علماء ولم نستطع أن نؤلف علوماً نافعة، فلن نعجز عن نشر علوم قد ألفها علماؤنا وأسلافنا، كم من المسلمين في أفريقيا بمختلف اللغات المحلية في بلدانهم يحتاجون إلى ترجمة كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، ويحتاجون إلى ترجمة كتب شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، ويحتاجون إلى رسائل علمائنا كالشيخ ابن باز وابن عثيمين وهم لا يجدون مالاً يشترون به هذه الكتب، ولا يجدون مالاً ينفقونه على ترجمتها.

نعم ولله الحمد والمنة لقد وفقت مكاتب دعوة الجاليات في بلادنا هذه إلى ترجمة كثير من الكتب النافعة في باب العقائد والعبادات الصحيحة، ولكن أين من ينفق عليها؟ وأين من يتصدق لأجل تصديرها إلى شرق آسيا وإلى الهند وإلى أفريقيا وإلى بلدان أوروبا؟ إن الحاجة إلى مثل هذا العلم ماسة، فلو أن غنياً من الأغنياء قال: لست بعالم ولست بمؤلف فأدع ما تذكرون فضله في هذا الحديث، نقول: لن تعجز أن تجعل في أموالك في كل سنة أو في كل نصف سنة وأن تجعل في وصيتك مبلغاً طيباً لتجعله وقفاً على طباعة كتب العقيدة والعبادة الصحيحة بمختلف اللغات حتى ينتشر العلم والعبادة في شتى أقطار الأرض.

إن أعداء الإسلام يوم أن أسقطوا الخلافة الإسلامية، أول ما ذهبوا يكسرون ويهدمون أخذوا يهدمون الأوقاف، أخذوا يهدمون تلك الثروات الطائلة التي كانت موقوفة على كفالة طلبة العلم، وكانت موقفة على طباعة الكتب وعلى كفالة الدعاة وعلى ضمان نفقات المعلمين والعلماء ليشتغل من اشتغل بالعلم غير مهتم بأمر الدنيا، فمن كُفي أمر دنياه اشتغل بأمر دينه، لما أرادوا أن يعطلوا هذه الأعمال الدعوية والعلمية وغيرها بدءوا بمصادرها التي تدر عليها وتنفق عليها، فصادروا مليارات الأوقاف من أموال المسلمين، وهذا مما ينبئك بالإعجاز الإلهي في أسرار التشريع الذي شرع لأمة الإسلام الوصية والوقف حتى تبقى الأمة على ضمانة في الإنفاق والتمويل لمشاريع العلم والدعوة.

فيا أيها الأحبة: حينما نتكلم عن العلم النافع لا يقولن أحدٌ: إني عاجز، إنك لن تعجز أن تطبع كتباً ولو في كل شهر عشرة من الكتب، ولو في كل سنة مائة كتاب، لو أننا أشغلنا هم الإسلام وأرقنا هم الإسلام وشاغل قلوبنا الدعوة إلى الله للمسلمين في كل مكان، لو وجدت هذه الدعوة نصيباً وافراً وحظاً متصدراً من دخولنا ومرتباتنا وأقواتنا، ولكن كل منا يدعي اهتمامه بالدعوة وشتان بين الاهتمام والحقيقة.

والكل عنك بنفسه متشاغلٌ ويرى بأن سبيله إذناك

وكلاً يدعي وصلاً بليلى وليلى لا تقرُّ لهم بذاكا

ما أكثر الذين يدعون اهتماماً بالدعوة وحظ الدعوة من عملهم قليل! وإنا والله على خوف أن نكون من أولئك حتى لا يغتر واحد بنفسه، فإن من أراد أن يعطي الدعوة حقها، لم يكن له في الدنيا مأرباً ونصيباً، وإنما تشغله الدعوة في ليلها ونهارها، أما نحن فقد خلطنا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، واختلطت عندنا أمور الدين بالدنيا، فنسأل الله أن تكون دنيانا عوناً لنا في ديننا ودعوتنا.