للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[العودة إلى كلام الله (القرآن)]

عباد الله: علاجها عودتها إلى كلام ربها، كلام الله جل وعلا فيه شفاءٌ للصدور، وفيه دواءٌ للقلوب، وفيه علاجٌ لكافة الأمراض الحسية وغيرها، ولكننا نقرأ قراءة اللاهين الغافلين، قد يقول البعض: إن في قلبي قسوة ولا أجد في كتاب الله علاجاً لهذا القلب، نعم قد يحصل هذا لبعض العباد أو لكثيرٍ من البشر، أتدرون ما السبب يا عباد الله؟ إنه فضول النظر، وفضول الكلام، وفضول التحدث في عيوب الناس، ثلاثة أمورٍ تشغل القلب عن حساسيته وشفافيته.

أما فضول النظر، فإنه يفقدنا الخشوع.

وأما فضول الكلام، فإنه يبعدنا عن الحكمة، ولا يجعلنا نستلذ أو نستشعر جميل خطاب الله.

وأما فضول الكلام في عيوب الناس، فإنه يجعل الإنسان مشغولاً لاهياً ناسياً عيوب نفسه، ثم بعد ذلك يشتغل بالخلق من حوله، ويترك نفسه ولهةً في أمَس الحاجة إلى الدواء، ومع ذلك فهو غافلٌ عنها، عسى ألا نكون من الذين نسوا الله فنسيهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

أيها الأحبة: كثيراً ما نقرأ في كتاب الله جل وعلا: {لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران:١٩٠] والألباب: جمع لب؛ واللب: هو القلب: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق:٣٧] كتاب الله جل وعلا كله عظةٌ واعتبارٌ، ودواءٌ وعلاجٌ لهذه القلوب، ولكن قلوبنا كما قال الشاطبي رحمه الله في حرز الأماني:

وإن كتاب الله أوثق شافعٍ وأغنى غناء واهباً متفضلا

وهذا زمان الصبر من لك بالتي كقبضٍ على جمرٍ فتنجو من البلاء

ولو أن عيناً ساعدت لتوكفت سحائبها بالدمع ديماً وهطلا

ولكنها عن قسوة القلب قحطها أي: ولكن هذه العين التي جمدت أن تجود بدمعة خشيةٍ لله

ولكنها عن قسوة القلب قحطها فيا ضيعة الأعمار تمشي سبهللا!!

يا ضيعة أيامٍ تضيع علينا أمام المشاهد التي لا ترضي الله، وفي سمع أمورٍ لا ترضي الله، وفي قضاء أمورٍ هي سبب العقوبة والعذاب من الله!! يا ضيعة الأعمار تمشي سبهللا!! يا عباد الله: هل من شيءٍ بعد كتاب الله جل وعلا يحرك هذه النفوس القاسية الجامدة، فيجعلها تنشط بعد جمود؟ نعم، هناك أمورٌ كثيرة، وقبل أن ننتقل إليها تأملوا أحوال السلف الصالح رضوان الله عليهم.

صلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالصحابة صلاة الفجر ذات يومٍ، فقرأ قول الله جل وعلا: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} [المدثر:٨] فأخذ يرددها، ثم رددها، فما جاوزها حتى سقط مغشياً عليه من عظم تأثره بهذه الآية: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} [المدثر:٨] نحن كثيراً ما نقرأ: {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ} [الواقعة:١] {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق:١] {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} [الانفطار:١] كل هذه الآيات الكونية، وهذه المشاهد الغيبية التي سنراها وسنقدم عليها، نتلوها ونسمعها كثيراً، ومع ذلك لا تتحرك القلوب لها، ولا تستشعرها، ولا تتخيل شيئاً ولو قليلاً من أهوالها.