للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اتباع الجنائز ومشاهدة الدفن]

معاشر المؤمنين: إن اتباع الجنائز وشهود دفن الموتى لمن الأمور التي تساعد الإنسان على تكسير وتفتيت وإذابة قسوة القلب، فإذا وفقك الله وكنت تابعاً لجنازة من الجنائز، فاجتهدت أن تكون من الذين يضعونها بأيديهم في القبر، ثم اجتهدت أن تكون من الذين يضعونها في مقامها الأخير، وفي مثواها الأخير؛ في اللحد الضيق، ثم أخذت لبنةً تصفها على هذا الميت، وأخذت طيناً ليناً لتسد منافذ الهواء والنور والبصر، لتسد كل منفذ صغيرٍ وكبيرٍ على هذا الميت، فإنك بعد ذلك يصيب نفسك شيء من الانكسار والإخبات والخشوع لله سبحانه وتعالى بأنك تتذكر هذا الصندوق الصغير، وهذا القفل الصغير الذي وضعت أنت بيدك هذا الميت فيه، وسيأتي يومٌ على كل واحدٍ منا يوضع فيه:

بينا يرى الإنسان فيها مخبراً حتى يرى خبراً من الأخبار

اليوم نقول: فلان بن فلان انتقل إلى رحمة الله ومرضاته، وغداً يقولون: فلان بن فلان؛ عني وعنك وعن الثالث والخامس والعاشر، فلان بن فلان انتقل إلى رحمة الله ومرضاته إن شاء الله، فإذا تذكرت هذه الحال وأنت تدفن إخوانك، وفلذات أكبادك، وأعز أحبابك وأصدقائك، هل هناك أعز عليك من أبيك وأمك؟ لا والله.

ثم بعد ذلك أنت أحب الناس إليها، فتضعها في هذا اللحد وتغلق عليها هذا القبر، فيأتي ولدك أو أخوك أو أبوك أو قريبٌ لك ويضعك في هذا المثوى، فكما فعلت سيفعل بك، وهي سنة الله جل وعلا في الحياة، فلنقدم على الله بصدق، ولنجتهد بالاستعداد، اللهم إنا نسألك الاستعداد قبل الموت، والاستدراك قبل الفوات.