للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[هدي النبي صلى الله عليه وسلم عند حضور الجنائز]

معاشر المؤمنين: ينبغي أن ننتبه لهذه الأمور، فمن وجد في قلبه قسوة، فليبادر إلى علاج القلب، فليصل في الجامع الكبير وليشهد جنازتين أو ثلاثاً، إن الإنسان إذا اشتكى من وجع سنه، أو اشتكى من وجع رأسه، أو أنملةٍ من أنامله، ذهب إلى العيادات والأطباء ليعالج هذا المرض الذي حل به، إننا بحاجةٍ إلى أن نعالج القلوب بمجالس الذكر، بكثرة تلاوة كتاب الله، وبتدبر آيات الله، وبمشاهدة المحتضرين، وبعيادة المرضى، وبشهود الجنائز، وبوضع الموتى في لحودهم، ينبغي أن نعالج هذه القلوب حتى تقدم على الله سليمة، ثم بعد ذلك -يا عباد الله- اعلموا أن الشيطان يجتهد ما استطاع في صرف الإنسان عن هدفه في علاج نفسه، فإن كنت شاهداً جنازةً من الجنائز، وإن عينك لتكون مغرورقةً بالدموع من شدة هذا الهول الذي رأيته، لكن الشيطان يأتيك يقول: هذا جزع وهذا فزع، وهذه نياحةٌ وهذا ندب، كلا والله إذا كانت هذه الدموع تنزل من عينيك ولم يكن في ذلك اعتراضٌ ولا سخطٌ ولا جزع، بل هي رحمة، بل هي عبرة، بل هي عظة، فأطلق لعينك همير دموعها، واجعل هذه الدموع تنهمر على خديك، وتذكر أنك بكيت من خشية الله، تذكر أنك بكيت من هيبة الله سبحانه وتعالى، وإن نبيكم صلى الله عليه وسلم؛ وهو أقوى الخلق، وأعرف الخلق، وأخشع الخلق لربه، بكى لما شهد مشاهد كهذه؛ لما مرض سعد بن عبادة رضي الله عنه، وعاده النبي صلى الله عليه وسلم، فبكى النبي صلى الله عليه وسلم وبكى القوم، فقال صلى الله عليه وسلم: (ألا تسمعون؟ ألا تسمعون؟ إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا أو يرحم وأشار إلى لسانه) متفق عليه.

وجاء عن أسامة بن زيد رضي الله عنه (أنه صلى الله عليه وسلم: رفع إليه ابن ابنته وهو في الموت، ففاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدموع، فقال له سعد: يا رسول الله ما هذا؟ فقال: رحمةٌ جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء) متفق عليه، ولما دخل صلى الله عليه وسلم على ولده إبراهيم وهو يجود بنفسه، فجعلت عيناه صلى الله عليه وسلم تذرفان، فقال له عبد الرحمن: وأنت يا رسول الله! فقال: (يا بن عوف! إنها رحمة، إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون) فاعتبروا يا عباد الله! بهذه الأحوال، وأطلقوا لعيونكم دموعها في مثل هذه المواقف من غير ندبٍ ولا نياحةٍ، بل اجعلوا ذلك عظةً وعبرةً من أنفسكم لأنفسكم:

يا غافلاً عن العمل وغره طول الأمل

الموت يأتي بغتة والقبر صندوق العمل

عباد الله: كل واحدٍ منا يتذكر يوم أن ولدته أمه، يوم أن ولد على ظهر هذه الحياة، الناس حوله متضاحكين سروراً، إذاً أنت الذي يوم أن ولدتك نزلت صارخاً باكياً إلى هذه الدنيا:

أنت الذي ولدتك أمك باكياً والناس حولك يضحكون سرورا

فاربأ بنفسك أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مسرورا

اللهم إنا نسألك السعادة والسرور عند لقائك، اللهم اجعل خير أيامنا يوم لقائك، اللهم اجعل خير أعمالنا خواتمها، اللهم اجعل قلوبنا خاشعةً مخبتةً منكسرةً لك يا رب العالمين.

اللهم إنا نعوذ بك من قلب لا يخشع، ومن أعينٍ لا تدمع، ومن دعاء لا يسمع ولا يرفع.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد بنا سوءاً، اللهم من أراد بولاة أمورنا فتنة، اللهم من أراد بعلمائنا مكيدة، اللهم من أراد بشبابنا ضلالة، اللهم من أراد بالفتيات والنساء في مجتمعنا اختلاطاً في التعليم والوظائف، اللهم أرنا فيه عجائب قدرتك، اللهم أرنا فيه يوماً أسود كيوم فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف، اللهم افضحه على رءوس الخلائق، اللهم من أراد بهذه النعمة والنعيم، والأمن والطمأنينة التي نحن فيها انقلاباً وتغيراً وزعزعة بخبث تخطيطه وكيده، اللهم فاردد كيده في نحره، واجعل الدائرة على رأسه وحزبه بقدرتك يا جبار السماوات والأرض، اللهم اهد إمام المسلمين، اللهم أصلح بطانته، اللهم أصلحه وأصلح بطانته وإخوانه وأعوانه، اللهم اجمع شملهم على كتابك وسنة نبيك، اللهم لا تشمت بهم حاسداً، اللهم لا تفرح عليهم عدواً، اللهم سخر لنا ولهم ملائكة السماء برحمتك، وجنود الأرضين بقدرتك، بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين، اللهم لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته.