للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عداوة الشيطان لآدم صرح بها القرآن]

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جل عن الشبيه والمثيل والند والنظير: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:١١] وأشهد أن محمداً عبده ورسوله البشير النذير؛ صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:١].

معاشر المؤمنين: لا يخفاكم عداوة الشيطان لآدم وذريته، فهو الذي أخرج الأبوين من الجنة، وكيد الشيطان وعدواته لبني آدم معلومةٌ واضحةٌ مشهودةٌ مشهورةٌ، وقد تواترت وتوافرت بها الآيات في كتاب الله الكريم، بل جاءت هذه الآيات مصرحةً بهذه العداوة التي اتخذت أساليب مختلفة وأشكالاً متباينة، ليتفطن بنو آدم لكيد الشيطان وغروره وخداعه وأمانيه، ولكن أكثر الناس في هذا الزمان عن تنبههم لهذه العداوة في غفلة، بل وإن الكثير منهم لمنساق بمحض اختياره تحت طوع وإرادة عدوه، ولو سمعنا هذا في بني البشر لرأينا فيه عجباً عجاباً؛ لو قلنا: إن رجلاً يملك أساليب القوة والدفاع والمقاومة انقاد لعدوٍ من أعدائه، فسلم رقبته وإرادته خاضعاً بطوع اختياره يوجهه عدوه من بني البشر حيث ما شاء، لرأينا ذلك خبالاً وجنونا، وإننا في الحقيقة لنرى ألواناً من الجنون، لكن ظاهرها بريقٌ لا مع، وبرقٌ خلب، وما هي في حقيقتها إلا انقياد لعداوة الشيطان ومكره، إذ أن كثيراً من بني الإنسان في هذا الزمان قد سلموا إرادتهم بطوع حريتهم واختيارهم لهوى الشيطان يصرفهم كيفما شاء ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

معاشر المؤمنين: أما العداوة الصريحة من الشيطان لبني آدم، فهي ثابتةٌ جليةٌ في كتاب الله سبحانه وتعالى، يقول الله جل وعلا: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر:٦] ويقول الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [البقرة:١٦٨ - ١٦٩].

ويقول يعقوب لولده يوسف عليه السلام: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [يوسف:٥].

ويقول الله جل وعلا: {إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً} [الإسراء:٥٣].

إذاً يا عباد الله: الآيات في كتاب الله كثيرةٌ وكثيرةٌ جداً مصرحةٌ بهذه العداوة، ولكننا في غفلة عن التنبه واليقظة لهذه العداوة الخطرة، واعلموا يا عباد الله! أن هذا الشيطان من شدة عداوته لأبيكم ولذريته أنه سأل ربه التأخير إلى يوم القيامة ليتمكن من الكيد لبني آدم على جميع ألوانهم وأصنافهم، وقد آتاه الله سؤاله هذا، وتوعده بأن جهنم مصيره ومصير الجاحدين الكافرين من بني آدم.

إن الشيطان يوم أن تكبر عن السجود لبني آدم وجاء في كتاب الله جل وعلا قول الله: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ * قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ * قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الأعراف:١٢ - ١٤] أي: أخرني وأجلني وأمهلني حياً على قيد الحياة إلى يوم البعث، قال الله جل وعلا: {قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي} [الأعراف:١٥ - ١٦] وانظروا هذه العبارة الخبيثة من الشيطان: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي} [الأعراف:١٦] ولم يقل الشيطان عن نفسه بما غوى: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ} [الأعراف:١٦ - ١٧] تنبهوا يا عباد الله! عن أي طريقٍ ومن أي جهةٍ ومن أي سبيلٍ تأتي الشياطين إلى بني آدم قال: {فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ * قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأعراف:١٦ - ١٨].