للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أساليب نتقي بها كيد الشيطان]

ومع ذلك يا عباد الله! اعلموا أن كيد الشيطان ضعيفٌ أمام كل من التجأ بالله وبذكر الله، وبالجلساء الطيبين، والأخيار الصالحين، فإن كيد الشيطان مهما برق ومهما تنوع أسلوبه وتباينت وسائله، إنه كيدٌ ضعيفٌ أمام ذلك، والله جل وعلا لم يتركنا سدىً، بل بين لنا أساليب كثيرة نتقي بها كيد الشيطان، يقول الله جل وعلا: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف:٢٠٠ - ٢٠١] إذاً يا عباد الله! إن ذكر الله جل وعلا، وإن الاستعاذة بالله جل وعلا في كل حالٍ لهو كفيلٌ بأن يطرد كيد الشيطان، وأن يصد عداوته عن هذا الإنسان.

ثم اعلموا بعد ذلك -يا عباد الله! - أنه ينبغي للإنسان إذا حضر مجلساً بدرت منه فيه معصيةٌ أو فاحشةٌ أو جريمةٌ أو غفلة، فليبادر إلى ترك هذا المجلس وليذهب بعيداً عن هذا المكان الذي حضره الشيطان، يقول الله جل وعلا: {وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام:٦٨] فمفارقة مجالس السوء، ومفارقة أهل الباطل، ومفارقة أماكن المنكرات والمعاصي والآثام كفيلةٌ بإذن الله جل وعلا بأن تبعد وأن تطرد الشيطان وكيده وأعوانه عن الإنسان، فانتبهوا لذلك عباد الله.

معاشر المؤمنين: إننا لو تأملنا هذه العداوة الحقيقية من هذا الشيطان لوجدنا أن الإنسان منا يحتاج فيها أن يستخدم أقوى ما يستطيعه، وأعظم ما يتمكن لديه من وسائل المقاومة والدفاع أمام هذا الشيطان، الذي هو في حقيقة الأمر ليس فحسب حولك عن يمينك أو شمالك أو أمامك أو من خلفك، بل هو في بدنك: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم) إذاً فهذا شيطان قريبٌ جداً، وهو بعيدٌ أمام من التجأ بالله سبحانه وتعالى، وبذكر الله ومجالسة الأخيار الطيبين.

إن الإنسان لو قيل له: إن عدواً ينتظرك أمام هذا المسجد، أو خلف هذا الجدار، أو وراء هذا الباب، لوجدته يبحث عما لديه، هل من سلاحٍ في بيته؟ هل من وسيلةٍ فتاكةٍ ناجعةٍ في قتل هذا العدو والابتعاد منه؟ تجد الإنسان يقلب ويفكر ماذا لديه من العدد والعتاد لطرد هذا العدو الذي يتربصه وهو من بني الإنسان، فما بالك في عدوٍ هو أمامك وخلفك وعن يمينك وعن شمالك ويجري في عروقك، ينبغي أن تكون واضح العداوة أمامه، وينبغي أن تتخيل شيطانك أمامك في كل لحظةٍ من اللحظات التي تهم فيها بفعل الخير، إذ أن حقيقة الأمر حينما تريد أن تصلي مثلاً أو تصوم أو تتصدق يقول الشيطان: لو أجلت هذه الصدقة، تظن هذا حديث النفس، وفي حقيقة الأمر هو حديث الشيطان لك، فإذا وقفت وقفة بطلٍ شجاعٍ مقدام أمام هذا الشيطان، ثم لو رفعت صوتك شيئاً ما لطرد، والاستعاذة بالله من كيد هذا الشيطان، ثم توجهت منطلقاً إلى فعل هذا الخير الذي هممت به، فإنك على صوابٍ وفلاح، وما يرد كيد الشيطان إلى لجوءٌ بالله سبحانه وتعالى وبذكره وبآياته مع قوةٍ عظيمة، روي أن أحداً من الصحابة رضوان الله عليه لما أراد أن يخرج سلاحه، نادى وقال: [أسرجوا خيلي، فأتوا بخيله وأسرجوها له، ثم لبس لامته وسلاحه، ثم قالوا: أين أنت يا فلان؟ قال: خرجت لأخرج زكاة مالي، وإني لعلى يقينٍ أن الشيطان سيقف لي في طريقي، وهأنذا قد أخذت عدتي وسلاحي مواجهةً لهذا الشيطان] انظروا دقة تصور الصحابة والسلف لخطر الشيطان وعداوته ومكره وكيده، يتصورونه شخصاً واضحاً ماثلاً أمام العيان، حتى يستطيع الإنسان أن يدافعه، فدافعوا شياطينكم بذكر الله، وبالعزيمة على كل فعلٍ من الأمور الصالحة.

اعلموا يا عباد الله: أن الشياطين لا تترك أحداً من بني آدم إلا وهي تحرص أن توسوس له وأن تزين له وأن تقربه نظرةً ثم خطرةً ثم خطوةً ثم جريمة، حتى يقع الإنسان في الفاحشة، ثم تخذله وتتبرأ منه، وتتركه حسيراً مسكيناً في وحل هذه الجريمة التي فعلها، انتبهوا لذلك يا عباد الله.