للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أصناف الناس أمام الشيطان]

إن البشرية اليوم أمام الشيطان لعلى أصنافٍ عدة: أما صنفٌ منهم: فهم كالكرة بأيدي الصبيان، كما ذكر أو روي في بعض الآثار: أن نبيا ًمن الأنبياء تمثل له الشيطان، فقال له: كيف الناس معك؟ قال: هم ثلاثة أصناف: صنف كالكرة بأيدي الصبيان؛ أينما أردنا أن نرمي بهم رمينا بهم، فلا يلتفتون ولا يتغيرون عما أردناه بهم.

وصنفٌ لنا مرة ولهم مرة؛ ونجهد أنفسنا كثيراً معهم، ثم يزول كل ما عملناه، قال: من أولئك الصنف؟ قال: أولئك الذين لا نزال معهم حتى إذا قربناهم شيئاً فشيئاً استغفروا الله، فعاد كل ما فعلناه هباءً منثوراً.

وصنف لا نستطيع لهم ولا نقدر عليهم؛ أولئك الأنبياء.

فتنبهوا لذلك -يا عباد الله- واعلموا أن كثيراً من بني البشرية اليوم قد أراح شيطانه من عناء مكابدته وملاحقته، إذ قد يكون الإنسان بنفسه قد أصبح أشد تفنناً ودقةً من الشيطان نفسه في أساليب الفساد والفاحشة وغير ذلك، فهذا لا يحتاج الشيطان معه إلى كثيرٍ من الجهد، فحيثما هوت نفسه الفضيحة، وحيثما هوت نفسه الفاحشة والمنكر والمعصية، انقادت بلا حسابٍ أو مراقبةٍ أو ذكرٍ لله أو تذكر مراقبته أو خشيته، فهذا قد أراح الشيطان من عناء مجاهدته.

وصنف من أولئك الذين قد من الله عليهم حديثاً بالهداية؛ هؤلاء الشيطان أشد ما يتسلط عليهم، فتجد الشاب إذا من الله عليه بالهداية والتوبة والالتزام والاستقامة، وقد كان حديث عهدٍ بفسادٍ وشيءٍ من المعاصي والآثام يأتيه الشيطان فيقول: أتترك لحيتك هكذا يسخر منك الناس؟ أتلبس ثوباً قصيراً يستهزئ بك الناس؟ أتترك هذه المجالس؟ أتترك مجالس عامرةً بالطرب والغناء واللهو وأنواع الملذات والمشارب، وتقف واضعاً يدك هكذا مطرقاً برأسك في هذه المجالس والحلقات؟ يأتي الشيطان ويتسلط على هذا الشاب الذي هو حديث عهدٍ بتوبةٍ وهدايةٍ واستقامة، فهذا أشد ما يتسلط عليه.

ثم إذا استطاع الشاب بعون الله أن ينتصر على كيد الشيطان، واستطاع أن يثبت على توبته والتزامه واستقامته، تسلط عليه الشيطان في صلاته، في وضوئه، فأخذ يوسوس له؛ لم تغسل هذا المرفق، لم تغسل هذه اليد، لم تمسح هذه الأذن، لم تغسل هذه الرجل، يريد أن يضيعه عن العمل الصالح مرحلةً مرحلة، لا يريد أن يفوت مرحلةً من المراحل، فيكثر عليه الوسوسة.

فإذا استطاع أن ينتصر عليه في مرحلة الوضوء، دخل عليه في مرحلة الصلاة؛ لم تقرأ الفاتحة، بلى، قرأتها، بل تركت منها، لم تجلس بين السجدتين، لم تتشهد، لم تقل كذا، نسيت كذا فيصبح الإنسان في كثيرٍ من الوساوس وقد كان فيما مضى من وقته لا يعرف شيئاً من هذه الوسوسة: وأضرب لكم حادثةً لشابٍ عرفته في هذا المسجد، وقال لي عن حاله: أنه كثير الوسوسة في وضوئه وفي صلاته، وتبين لي من ملامحه وما أخبرني به أنه حديث عهدٍ بتوبةٍ واستقامةٍ والتزام، قلت له: أسألك بالله هل كنت قبل هذه المرحلة يصيبك شيءٌ من الوسوسة؟ قال: لا.

والله ما عرفت هذه الوسوسة إلا يوم أن تركت المعاصي والآثام، قلت: فاعلم أنك لست بموسوس ولله الحمد والمنة، ولكن الشيطان يريد أن يفسد عليك طريق هدايتك، إنه عجز أن يغويك وأن يضلك، وعجز أن يصرفك عن التوبة والاستقامة، وعجز أن يبعدك عن جلساء الخير، فأراد أن يشاغلك في صلاتك ووضوئك وعبادتك، فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ولا يضرك كيده.

فإذا انتصر الإنسان على الشيطان في هذه المرحلة، جاءه الشيطان وقال: إن الناس يستمعون لك، انظر إن الناس ينظرون صلاتك، إن الناس ينظرون جهودك في الدعوة، فيحاول أن يدخل عليه بأسلوب النفاق والرياء ولا حول ولا قوة إلا بالله.

فإذا استطاع أن ينتصر على شيطانه في هذه المرحلة، جاءه الشيطان، ويقول له: اذكر ما عملته من جهود وما حقق الله على يدك من الدعوة، وما حقق الله على يدك من الأمور، إذاً فالشيطان لا يترك بني آدم مرحلةً مرحلة، حتى عند النزع الأخير من الموت، فإن الشيطان يقول لأعوانه: دونكم ابن آدم، إن فاتكم اليوم فلا تدركونه، فيشوشون على الإنسان في الرمق الأخير، في مراحل النزع ووصول الروح إلى التراقي، يشوشون عليه ويحاولون أن يشغلوه عن النطق بالشهادة إلا من ثبته الله سبحانه وتعالى، فهو ينطقها آمناً مطمئناً واثقاً من قلبه.

فأسأل الله جل وعلا أن يصرف عنا كيد الشيطان، والتفتوا لذلك يا عباد الله! وتنبهوا له، وإن كثيراً من الناس قد انساقوا للشياطين بأبدانهم وأبصارهم وأسماعهم وجوارحهم، ألا فليتنبهوا من هذه الغفلة.

أسأل الله جل وعلا لنا ولجميع المسلمين التوبة والإنابة والهداية والتوفيق.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد بنا سوءاً، اللهم من أراد بعلمائنا مكيدة، وبولاة أمرنا فتنة، وبشبابنا ضلالة، وبنسائنا تبرجاً وسفوراً، وببناتنا اختلاطاً في الوظائف والتعلم، اللهم إنا نسألك أن تفضحه على رءوس الخلائق، اللهم أرنا فيه عجائب قدرتك، اللهم أرنا فيه يوماً أسود كيوم فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف وأسوأ من ذلك يا جبار السماوات والأرض.

اللهم آمنا في دورنا، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اهد إمام المسلمين، اللهم أصلح بطانته، اللهم قرب له من علمت فيه خيراً له ولأمته، وأبعد عنه من علمت فيه شراً له ولأمته، اللهم اجمع شمله وإخوانه وأعوانه على كتابك وسنة نبيك، اللهم لا تفرح عليهم عدواً، ولا تشمت بنا ولا بهم حاسداً، اللهم سخر لنا ولهم ملائكة السماء برحمتك وجنود الأرضين بقدرتك، اللهم وفقنا لما تحب وترضى، وجنبنا ما يغضبك ويسخطك يا جبار السماوات والأرض.

اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا أسيراً إلا فككت أسره، ولا أيماً إلا زوجته، ولا عقيماً إلا ذريةً صالحةً وهبته، ولا غائباً إلا رددته.

اللهم اغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا وجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين، اللهم اغفر لموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية ولنبيك بالرسالة وماتوا على ذلك، اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم، وأكرم نزلهم ووسع مدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس.

{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:٥٦] اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبيك محمدٍ صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء والأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة، وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين! إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.