للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أهمية تطوير وسائل الدعوة]

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:١].

أيها الإخوة! أيها الفتية: يقول الله تعالى: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً * وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ} [الكهف:١٣ - ١٤].

معاشر الأحبة! الذين ربط الله على قلوبكم بالإيمان! ومن نسأل الله أن يجعلهم من أهل الصراط القويم عاجلاً غير آجل بمنه وكرمه.

أيها الإخوة في الله: أعتذر بادئ ذي بدء عن تأخري عن المجيء في الوقت المحدد، وما كان ذاك بملكي، ولكني حملت وزر أحد موظفي الخطوط سامحه الله، أعطاني كرت الصعود على بوابة والرحلة على بوابة أخرى، فكانت أعجوبة والحمد لله على كل حال، ولقد أفرغت جام غضبي في أبيات شعر كتبتها عنه:

هل ذا سيمنعني الهدى وجباله أو ذاك يحجبك الشفا ورجاله

إن المحب إذا تعلق قلبه جعل المخاطر في النوى سرباله

كم كنت أنتظر المساء لقربكم فيه وإني مبتلٍ أقواله

شاورت فيه النفس قالت لن تطق صبراً فعجل والهدى أهدى له

لما أتيت البوابة قالوا: أنت تأخرت

قالوا تأخرت الغداة ولم تكن عند النداء موافقاً ما قاله

فبثثتهم عذري بأني ساجدٌ قبل الرحيل وحجتي أولى له

أقلعت الطائرة وأغلقت البوابة، ولا تنفع إلا الواسطة في مثل هذه الحالات:

فهرعت أسرع للوسيط لعله أدرى بسرٍ مسعف من ناله

فتسابق الخطو الوئيد مهرولاً وكررت أسرع تابعاً منواله

حتى ركبت الفلك يوشك راحلاً في أرض جدة مدركاً آماله

ولقيت أحبابي على درب الهدى ومحمداً فوزي ترى أسمى له

الأخ/ محمد فوزي جزاه الله خيراً استقبلنا، وطار عقلي قبل أن يطير بي من قيادته وسرعة سياقته

وركبت في سيارة وطريقها قد زاد فوزي سرعة أهواله

حتى بلغت الطائف المحبوب في أرض الجزيرة حبذا إطلاله

أيها الأحبة: أسأل الله جل وعلا أن يجعل اجتماعكم في موازين أعمالكم، وأن يجعل اجتماعنا هذا مرحوماً، وتفرقنا من بعده معصوماً، وألا يجعل فينا ولا من بيننا شقياً ولا محروماً، وقبل الخوض في الموضوع ألا وهو (البداية) أود أن نتساءل قليلا: أيها الإخوة: هل نشعر بالمتغيرات التي استجدت في المجتمعات العالمية؟ هل نعشر بالمتغيرات التي تطرأ؟ ليست بالسنة ولا بالشهر ولا بالأسبوع، بل باليوم والساعة، المتغيرات التي استجدت على المجتمعات، وتستجد أيضاً على مجتمعنا هذا، التغير صفة حاصلة، والتقلب أمر نراه في أحوال هذا الزمان وأهله، والتغير نوعان: تغير داخلي في النفس؛ وهذا التغير وإن لم يتغير الإنسان في سلوكه وتصرفاته، لكن تجد عنده تهيؤاً لأن تتغير أحواله، تجد عنده تهيؤاً لأن يغير من طريقته، ومن النمط الذي سار عليه في أيامه وأشهره.

والتغير الثاني: هو تغير خارجي في مجالات الحياة المختلفة، فهو الذي نراه في صور تمدن أسباب الحضارة وتطورها، هذا التغير كما هو موجود في المجتمعات، وكما هو موجود في النفوس، وترى النفوس متهيئة له، نجده في كل قطاع، أو في كل دائرة، أو في كل جهاز عام أو خاص.

أقول -أيها الإخوة! -: إن هذه المتغيرات وهذه التطورات موجودة، وأنتم ترون ما من دائرة، وما من جهاز، وما من مؤسسة، وما من قطاع عام أو خاص إلا وترى فيه تطوراً، وترى في القائمين عليه رغبة في تطويره، وترى في المسئولين عنه رغبة في تحديث أساليبه، وتطوير أساليب الخدمات التي تقدم للناس.

خذوا أمثلة لذلك: الهاتف مثلاً، هل خدمات الهاتف اليوم كالهاتف أول ما جاءنا في المملكة؟ لا، إذاً هناك تطور بالشهر والسنة، خذوا مثالاً: الصحة، تتطور خدماتها بتطور الأيام والسنين والأعوام،

و

السؤال

هل يوجد لدى الإخوة، ولدى الأجهزة التي تعنى بالدعوة إلى الله، وبالحسبة، وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هذا الحس؟ هل يوجد لدى الدعاة والمحتسبين والمسئولين عن هذه الأجهزة هذا الحس، وهو الرغبة في تطوير الأساليب، وتحديث الوسائل، ونشر مجالات أوسع، وآفاق أرحب لكي تنتشر الدعوة في كل مكان؟ ومن المسئول عن هذا التطوير والتحديث؟ من المسئول عن فتح مجالات جديدة للدعوة؟ من المسئول عن ابتكار وسائل واختيار أساليب جديدة للدعوة إلى الله؟ هل المسئول عن هذا هم المسئولون عن هذه الأجهزة أم أن المسئول كل من يعنى بأمر الدعوة، وأنتم منهم؟ وكل من يعنى بشأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنتم منهم؟ أم أن أولئك أيضاً معنيون بتطوير وتحديث أساليب الدعوة إلى الله جل وعلا؟ أيها الأحبة: إن الجهاز القائم على الدعوة إلى الله، أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لو ضربنا مثلاً أنه جهاز لا يتطور ولا يتنامى، ولا يدخل التحديث في أساليبه، فإن هذا لا يعفينا أن نبقى جامدين، بل هذا يضاعف المسئولية علينا، لكي نطور من أساليبنا في الدعوة إلى الله، ولكي نفتح مجالات أوسع، وآفاقاً أرحب لنشر دين الله جل وعلا، وما لنا ألا نفعل ذلك والله سبحانه وتعالى قد أثنى على الدعاة، فقال جل من قائل: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:٣٣] {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:١٢٥] {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف:١٠٨].

أيها الأحبة: الآية الواحدة، بل الكلمة الواحدة في هذه الآيات تجعل الواحد يطير فرحاً، ويحلق شوقاً لكي يدنو من الله جل وعلا، يطير فرحاً لكي يكون جليساً وجاراً للنبي صلى الله عليه وسلم، إذ أن من سلك سبيل الدعوة، وسلك سبيل العلم، فإنه يكون من ورثة الأنبياء: (إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهما، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر).

ما لنا لا نطور أساليب الدعوة؟ ما لنا لا نجدد الوسائل، ونفتح الآفاق للدعوة إلى الله جل وعلا؟ لماذا لا نفعل ذلك والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من دعا إلى هدى، فله أجره وأجور من عمل به إلى يوم القيامة) ويقول صلى الله عليه وسلم: (فلأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)؟.

أيها الأحبة: هل نشعر بحاجتنا إلى إصلاح أوضاع مجتمعاتنا؟ هل نشعر بأننا نحتاج إلى أن نصلح أوضاعنا؟ المجال الإعلامي، هل هو على الطريقة التي ترضي الله جل وعلا؟ أو هل هو على الطريقة التي تخرج الأطباء والمهندسين، والدعاة والعلماء والمخلصين لهذا البلد، ولأمة الإسلام أجمعين؟ إن الجانب الإعلامي لم يستثمر في الدعوة إلى الله حق الاستثمار، قد يقول قائل: لعلنا لا نسلم من شره فضلاً من أن نستثمره، وأقول: لا، هذه نظرة منهزم، لا تقل هذا الكلام.

لئن كانت الصحف ووسائل الإعلام مناخاً لمن سبق وحِمَىً مباحاً، فليبادر الدعاة إلى الله جل وعلا، وليسابقوا إلى هذا المجال، وليصلحوا مجتمعاتهم من خلال هذا المجال، حتى وإن وجد التنافس، وإن وجدت المزاحمة، المهم أن يسمع الناس كلمة الحق، وأن يعرفوا أن للحق أسلوبه، وأن للصدق عبارته، وأن للهداية أبوابها، إذا قدم هذا للملايين الذين يتربعون الآن أمام الشاشات، ولم يحضروا مثل هذه المحاضرات، أو محاضرات العلماء الأجلاء الذين هم أفضل منا، فهذه من المجالات المتروكة.

فهل نشعر -أيها الإخوة! - بحاجتنا إلى أن نصلح هذا المجال؟ هل نشعر بحاجتنا إلى إصلاح الأبواب المفتوحة في الأندية، والجمعيات الخيرية، وفي كثير من المجالات القائمة؟ إن الدخول في الشيء مع الحصانة الكافية، والوقاية اللازمة أمر ضروري جداً، إن إصلاح الشيء لا يتم عن بعد، فلا بد أن تدخل في صميمه، ولا بد أن تعرف أحواله، ولا بد أن تسبر عالمه، ولا تستطيع أن تصلح سيارة خربت بمجرد الدوران عليها، لا تستطيع أن تصلحها إلا إذا فتحت مقدمتها، وأخذت تغير وتعدل وتصلح قطعة بدلاً من قطعة، وشيئاً انحرف عن مساره فترده، وجهاد حتى تصل إلى درجة الإصلاح الكامل، أو ثلاثة أرباع الإصلاح، أو نصف الإصلاح، المهم يكفيك نصراً أنك قائم بالدعوة إلى الله جل وعلا.