للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أهمية توحيد الجهود من أجل الدعوة والإصلاح]

أيها الإخوة: الملاحظ أن جهودنا في الدعوة إلى الله مبعثرة، وليست على المستوى المطلوب، وإن كانت تتجه نحو الأحسن يوماً بعد يوم، وأسبوعاً بعد أسبوع، وليس لفقير صغير مثلي أن يُقَيِّم الدعوة وجهود الدعاة، ولكن هذا أمرٌ ملحوظ، فلو سألنا أنفسنا: هل واقع الدعوة من حيث الشمول والاتصال بجميع أفراد المجتمع متحقق؟ هل الدعوة الآن خاطبت شريحة الأطفال؟ وهل خاطبت الشباب بجميع مستوياتهم؛ المثقفين، والمنحرفين، والبين بين؟ هل خاطبت الدعوة الشيوخ وكبار السن؟ هل خاطبت العجائز؟ هل خاطبت المراهقات من البنات؟ هل خاطبت المتزوجات؟ هل خاطبت جميع أفراد المجتمع؟ كذلك: هل مواضيعنا في الدعوة شاملة لكل شيء، أم أننا نريد أو يراد لنا ألا نتكلم إلا في مواضيع محددة؟ فمثلاً: ليس من العقل أن نشغل الناس منذ عشر سنوات إلى يومنا هذا بالصلاة مع الجماعة، وبتحريم الأغاني، وبتحريم حلق اللحى، وبتحريم كذا وكذا، ليس عندنا إلا هذا، بل من واجبنا كما نحدث الناس عن تحريم هذه المعاصي، أن نحدثهم عن النظام الاقتصادي في الإسلام، وكما نحدث الناس عن خطر الملاهي والمعازف وحرمتها والاتجار بها، علينا أن نحدث الناس كيف لو تولى الإسلام أجهزة الإعلام، ماذا سيقدم للمجتمع؟ إذا كان الإسلام والدعوة إلى الإسلام، وأساليب الدعوة إلى هذا لدين رغم محدوديتها وبساطتها، وبدائية أساليبها أثرت في الناس إلى هذه الدرجة، فما بالك لو تسخرت وسائل الإعلام جميعاً، أو خصصت الساعات الطوال لأجل هذا، هل عندنا الشمول في طرح المواضيع؟ كما نطرح هذه الجزئيات نطرح الكليات، وكما نطرح صغار المسائل نطرح كبارها.

خذ أخي الكريم! صورة من صور بعثرة الجهود، الخطباء في أنحاء المملكة كم عددهم؟ يوجد في المملكة إن لم تَخُنِّي الذاكرة قرابة ستة عشر ألف جامع، معدل أو متوسط المصلين في كل جامع كذا، النتيجة أن هناك ثلاثة أو أربعة ملايين رجلاً وشاباً وامرأة، كلهم يطرقون لمدة ساعة كاملة على اختلاف التوقيت في أنحاء المملكة لكي يسمعوا خطبة الجمعة، ولكن انظر مع سخونة الأحداث تجد التباين في طرح المواضيع، فمنا مثلاً من يتكلم عن مؤتمر مدريد، وآخر عن مسح الخفين، وآخر في حرب الخليج، وآخر يتكلم على الخوف من صواريخ اسكود، وآخر يتكلم عن أهمية النظافة، وآخر يتكلم عن أسبوع الصحة والتطعيم، وهلم جرا.

يا أخي الكريم! هذا من إهدار وتضييع وسائل الدعوة، وعدم استغلالها، عدم وجود استراتيجية وخطة طويلة المدى تشرف عليها الرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، لكي تربي هؤلاء الناس، لكي تتابع ما يجد في المجتمع وما يظهر فيه من مصائب.

حتى الأجهزة الأمنية يمكن أن يستفيد منها خطباء الجمع، كنت ذات مرة أسأل رجلاً من كبار مسئولي الأمن، فقلت له: لماذا لا تزودون خطباء الجوامع على الأقل في الشهر مرة واحدة بأخطر جريمة حصلت في المجتمع، ولك علينا العهد والميثاق ألا نقول اسم المجرم، ولا مكان الجريمة، ولا مدينة الجريمة، إنما سنذكر هذه الجريمة لكي نحذر من الشر الذي تدور حوله، قال: هذا أمر يحتاج إلى نظر، أو يمكن أن نبحث في هذا.

هنا تضييع وإهدار للوسائل، وعدم استغلال أمثل لهذه الجوانب، ولو رَتَّبَتْ مثل هذه الأجهزة مع مراكز الدعوة أو الرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية، أو دعت الخطباء وطلبت منهم على الأقل أن يعرضوا ما عندهم، والخطباء لن يترددوا أن يستفيدوا.

خذ مثالاً آخر: المخدرات الآن، المخدرات لا يكاد يمر أسبوع وبدون مبالغة في كل مدينة يموت شاب من جراء حقن الهروين وغيرها،

و

السؤال

هل أخذ التحذير من هذه السموم الخطيرة والضارة حيزه المناسب من جهودنا، ومن صيحاتنا وصرخاتنا؟ وهل هذا المرض الفتاك والداء العضال قد أخذ حيزه المناسب من أجهزة الإعلام مثلاً؟ المسلسلة اليومية، ما ظنك لو أن نصف برنامجها يصرف في بيان أخطار المخدرات، وآثارها، وكيفية الحذر من الوقوع فيها وبداياتها، أو التنبيه على أساليب المروجين والمفسدين الذين يوقعون الجهلاء والمخدوعين في شراكها وشباكها، هل هذا موجود؟ لا.

غير موجود.

إذاً نحن على المستوى العام والخاص لم نستغل ولم نستفد ولم نفد على الوجه الذي ينبغي، خذ مثالاً على ذلك: أهمية هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هل أعطيت هذه الهيئات حجمها؟ ما ظنكم لو أن عشر دقائق من التلفاز يومياً أو من الإذاعة أبرزت بدون أسماء، وبدون أحياء، وبدون أسماء مدن كلاماً عاماً عن حجم الجرائم التي يضبطها رجال الهيئة بالجرم المشهود، فلو فُعل لأدرك الناس أهميه هذا الجهاز، ولتمسكوا به، ولعضوا عليه بالنواجذ، ولشعروا أنهم لا يمكن أن يستغنوا عن مثل هذا الجهاز، بل لرأيت الحاجة إلى تطوير هذا الجهاز وتطوير أساليبه قائمة.

أيها الإخوة: ما مضى هو استطراد لكي تشعروا حجم الحاجة إلى الإصلاح، ولكي تشعروا بحجم الوسائل التي بين أيدينا وهي مهدرة لم تستغل ولم تستثمر، ولكي تشعروا وتدركوا حجم الخطر الذي يجر أبناء المجتمع إلى الهاوية، ولكن

السؤال

البداية كيف ومتى وأين؟