للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفاوت الناس في الإيمان]

أيها الأحبة! ثم ندخل في باب الفتن التي تعرض لكل واحد منا في نفسه وأهله وماله وبيته، الفتنة كما قلنا في المقدمة هي من باب الامتحان، ومن باب الاختبار، ومن باب الابتلاء لكي يثبت من يدعي صدق الإيمان ممن يتزيا ويتزين به، ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال، لو قلنا: من المسلم فينا؟ كلٌ يرفع يده، ونحن إن شاء الله مسلمون على التحقيق والتصديق.

من المؤمن فينا؟ كلنا مؤمنون، الذي يثبت ويصدق برهان إيمانه أدنى فتنة؟ والله لتجدن القليل من البشر هم الذين يبرهنون على صدق إيمانهم عند الفتن.

أيها الأحبة في الله! أبسط الأمثلة على ورود الابتلاء والامتحان والفتنة، كما في الحديث (تعرض الفتن على القلوب عوداً عوداً) وفي رواية: (عَوداً عَوداً) أي: مرة بعد مرة، هذه الفتن شبهت في صغر حجمها ودقتها، وتراص بعضها ببعض، كما يتراص أعواد الحصير في نسجه المتكامل، تعرض الفتنة على الواحد من بداية يومه حتى يمسي، فأول ذلك يوم أن يسمع داعي الله: حي على الصلاة حي على الفلاح، هذا نوع ابتلاء وامتحان، من الذي يغلب إيمانه وسادته وفراشه؟ إيمان لا يغلب الوسادة أحقٌّ أن يدعى إيمانا؟ إيمان لا يغلب الفراش والوسادة أيسمى إيماناً ويدعي صاحبه به ويتزين؟! كلا والله -يا عباد الله- هذا إيمان ضعيف جداً.

نحن لا ننفي الإيمان بالكلية عن مؤمن من المؤمنين، أو مسلم من المسلمين؛ لأنه مهما ارتكب من المعاصي فلا يزول عنه الإيمان بالكلية، وإنما يقل الإيمان عنده إلى درجة قليلة جداً جداً، وهذا ما بينه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لما تكلم عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن) قال: هذا الحديث لا يدل على أن الإيمان يزول بالكلية، أي: يصبح الإنسان فاسد الإيمان؛ لأننا لو قلنا: ضاع الإيمان بالكلية فمعناها أنه لم يعد يؤمن بالله ولا برسول الله ولا بالقدر والبعث، ولكن يقل الإيمان عنده إلى درجة قليلة قليلة جداً.

فالناس يتفاوت الإيمان في قلوبهم بحسب نور لا إله إلا الله في قلوبهم ذاتها، بحسب نور هذه الكلمة في قلوبهم، فمن الناس من يغلب إيمانه على نومه، فإذا سمع داعي: حي على الصلاة حي على الفلاح: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة:١٦] كان الفراش حريراً وثيراً، كان الفراش ناعماً، كان الضجيع جميلاً، فلما سمع: حي على الصلاة، حي على الفلاح، انقلب الحرير جمراً، والنعومة خشونة؛ لأنه دعي إلى ما هو ألذ وأطيب، دعي إلى ساحات السجود والركوع، وإلى أماكن التسبيح والتهجد لله جل وعلا، وحضور الصلاة مع الجماعة: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة:١٦].