للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[صورة نبوية للثبات على المبادئ]

عباد الله! إن حقيقة الإسلام، وحقيقة الدين الذي نحمله حركةٌ تحريريةٌ قويةٌ تبدأ في ضمير الفرد، وتنتهي في نطاق الأمة، تبدأ في ضمير الفرد اعتقاداً بوحدانية الله في ذاته، واعتقاداً بوجوب صرف أفعال العبادة له وحده، واعتقاداً بوحدانية الله في أسمائه وصفاته، واعتقاداً بوجوب نشر هذا الدين، واعتقاداً بوجوب الجهاد والكفاح، ووجوب الدعوة في سبيل هذا الدين، أياً كان الأمر، وأياً كان الثمن، ولكم في نبيكم صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة وقدوة رائعة، لما شرفه الله بالبعثة النبوية، وخرج على قومه وناداهم بطناً بطناً، فخذاً فخذاً، قال فيهم: واصباحاه، فاجتمع الناس حوله.

فقال: يا معشر قريش! قولوا كلمة واحدة تدين لكم بها العرب، وتدفع لكم بها الجزية العجم، قال أحدهم بل كبيرهم: وأبيك عشرا، نعطيك عشر كلمات معها، قال: قولوا: لا إله إلا الله، قالوا: تباً لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟! وهل رد ذلك الضلال والكيد والاستهزاء، نبينا عن دعوته، بل مضى فيها مجاهداً وداعياً إلى الله على نور وبصيرة وتأييد من ربه.

حتى إذا انتشر الإسلام في مكة، وبدأ يدب في عروقها، جاء القوم إلى عمه أبي طالب، وقالوا: إن ابن أخيك سفه أحلامنا، وسب آلهتنا وأصنامنا، أفلا يكون بيننا وبينه أمرٌ؟ إن كان الذي فيه أمر يشتهي فيه السيادة، أو أمر يشتهي فيه الرئاسة، أو أمر يريد فيه جمع المال أعطيناه ما يرضيه، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي طالب ذات يوم، فقال أبو طالب: يابن أخي! إن قومك يشكونك إلي، سفهت أحلامهم، وسببت آلهتهم، لعلك أن تترك هذا الأمر شيئاً قليلا، أو أن تترك سب آلهتهم وأصنامهم.

ماذا قال صلى الله عليه وسلم بعد أن عرض عليه أبو طالب هذه المهادنة السلمية؟ عرض عليه أنهم يقولون: إن كنت تريد المال أعطيناك، إن كنت تريد الجاه سودناك، إن كنت تريد الجمال زوجناك، إن كنت تريد ما تريد أعطيناك، فماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم، بآبائنا هو وأمهاتنا؟ التفت إلى عمه، وقال: (يا عم! والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في شمالي، ما تركت هذا الأمر حتى أهلك دونه، وفي رواية: حتى تندق هذه السالفة).

انظروا هذا الإسلام والعقيدة التي لا تقبل المهادنة، يريدون أن يعمل في دينه، لكن من دون سبٍ لآلهة الكفار وأوثانهم.

وحقيقة التوحيد أن تكفر بالطواغيت، وأن تسب الأصنام والأوثان، وكل معبود أو متبوع مطاعٍ من دون الله سبحانه وتعالى، لم يقبل أنصاف الحلول، وأنزل الله جل وعلا قوله: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون:١ - ٦].

دين العزة، دين السيادة، دين السؤدد، دينٌ تُرفع به الرءوس، وتُعلى به الهامات، وتخفق به الرايات نصراً وعلواً وسيادة ورفعة بدين الله، هذا الدين الذي جاءنا عن ربنا، هذا الدين الذي عرفناه من سنة نبينا صلى الله عليه وسلم، أما الدين الذي ينتسب صاحبه إلى الإسلام اسماً، وحقيقته يهجر بيت الله والمساجد ويسمى مسلماً، ويرى المنكر ويسكت عليه ويقال له مسلم، ويرى المصيبة والبلية في سوقه ومتجره وقربه وبعده ويسمى مسلماً، هذا والله ليس بالإسلام الذي جاء عن الله وعن نبيه.

لا شك أن صاحبه مسلم، دخل الإسلام بنطق الشهادتين، وتحقيق المقتضى وانتفاء الموانع، لكن الإسلام الذي نزل في كتاب الله وجاء في سنة نبي الله هو ذلك الإسلام الذي ترفع به الرءوس، ذلك الإسلام الذي يفتخر صاحبه ويقول: أنا مسلم، يفتخر صاحبه في أي موقع ومكان ومناسبة أياً كانت، يفتخر ويرفع رأسه قائلاً: أنا مسلم، ويعلن دينه ومبادئه، هذا هو الإسلام إسلام العزة، الإسلام الذي لم يفهمه كثيرٌ من أبنائنا في هذا الزمان، ومن أجل ذلك رأينا آثار هذا الفهم الناقص في سلوكهم، إذا ذهبوا إلى الغرب استحى أحدهم أن يفتخر بإسلامه، وأن يصدع بصلاته، وأن يصدح بأذانه، وأن يفتخر بدينه.

رأينا هذا الفهم المنقبض الضيق للإسلام في فعل كثير من الناس، إذا جلسوا وحانت الصلاة يستحي أن يقول: قوموا إلى عبادة رب غني عنكم، رأينا أثر الفهم الضيق، ورأينا قلة فهم هذا الدين في سلوك كثير من الناس حينما يرون داعية صادقاً إلى الله، هذا متدخل في شئون الآخرين، هذا لا هم له إلا الآخرين، إلى غير ذلك من عبارات التثبيط والتنقص والاستهزاء، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

كيف يدَّعي مسلم حقيقة إسلامه وهو لا يرفع بهذا الإسلام رأساً؟ كيف يدَّعي مسلم حقيقة إيمانه وجوارحه لم تبرهن هذا الإيمان تطبيقاً وقولاً وفعلاً؟ بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العلي العظيم الجليل لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.