للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الرسول الداعية]

وحينما نصف أمراض الشباب فإنه لا يعفينا أمام الله أن نجلس على هذه الكراسي وفي هذا الجو العبق بالبخور والعطور الذي يهدى علينا فيه بألوان الشاي والزنجبيل والقهوة والماء العذب الزلال لنتكلم عن الشباب، ونظن أن مهمتنا قد انتهت، وأن ذمتنا قد برئت بمجرد الحديث ووصف أوضاعهم وأحوالهم، بل لا بد أن نبحث عنهم، أين هؤلاء الشباب الذين نتكلم عنهم؟ أهم في مخيم؟ هيا بنا نزورهم، أهم في شقةٍ معينة؟ هي بنا ندخل عليهم، أهم في ملعبٍ من الملاعب؟ هيا نغدو إليهم، أهم في مكانٍ قريب أو بعيد؟ هيا نتوجه إليهم لنحدثهم لنكلمهم لنجمعهم كما كان صلى الله عليه وسلم، يوم أن أمره ربه بأن ينذر عشيرته الأقربين وأن ينذر ليكون رسولاً للعالمين دعا قريشاً فخذاً فخذا، بطناً بطنا، وقال: واصباحاه، فلما اجتمعوا له قال: (يا معشر قريش، لو أنني قلت لكم: إن خيلاً تصبحكم أو تمسيكم من خلف هذا الوادي، أكنتم مصدقي؟ قالوا: ماجربنا عليك كذباً يا محمد، قال: فإني لكم نذيرٌ مبين من عند رب العالمين ألا تعبدوا إلا الله وحده لا شريك له قولوا لا إله إلا الله، فقال أبو لهب وهو من أشقياء القوم: تباً لك يا محمد ألهذا جمعتنا سائر اليوم، دعوت قريشاً بطناً بطنا، فخذاً فخذا، ثم جمعتهم في هذا المكان ثم تقول بعد ذلك: اجعلوا الآلهة إلهاً واحد قولوا لا إله إلا الله) ونزل تصديق ذلك أو شاهده في كلام الله عز وجل: {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ} [ص:٦] إنهم يستنكرون ويستنكفون أن يعبدوا الله وحده لا شريك له، فقالوا بكل عجب: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص:٥] كيف جعل اللات والعزى ويغوث ويعوق ونسرا ومناة الثالثة الأخرى؟! كيف يريد أن يجعل هذه الآلهة التي كانت كل قبيلة من قبائل العرب تتنافس على سدانتها وخدمتها والشرف بها كيف جعلها إلهاً واحداً؟! ولكن النبي صلى الله عليه وسلم صبر.

وفي حادثةٍ أخرى: أن النبي صلى الله عليه وسلم دعاه عمه أبو طالب ذات يوم وقال: يا بن أخي! إنك من قومك من المكانة بحيث تعلم وإنهم قد جاءوا يشكونك إلي يقولون يا محمد: إنك سببت آلهتهم، وشتمت أصنامهم وسفهت أعلامهم، وأغريت عليهم عبيدهم وصبيانهم وسفهاءهم وإنهم يعرضون عليك ما يعرضون، فقال صلى الله عليه وسلم: يا معشر قريش؛ يخاطب هؤلاء الصناديد والكبار الذين بجوار عمه أبي طالب، فقال: إني أريد منكم كلمة واحدة إن أنتم قلتموها؛ فإن العرب تدين لكم وتخضع لكم وتنقاد لكم، وأما العجم فإنهم سوف يدفعون لكم الجزية، فقال أبو جهل: كلمة واحدة إن نحن قلناها العرب تطيعنا، والعجم يدفعون لنا المال والجزية، ما هي يا محمد؟! وأبيك عشراً نعطيك عشر كلمات ليست كلمة واحدة، فقال: قولوا لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فقال أبو جهل: تباً وسحقاً لك يا محمد ألهذا جمعتنا سائر اليوم؟! مستنكرين مستنكفين أن يوحدوا الله.