للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الرسول يدعو في الطائف]

هل كف النبي صلى الله عليه وسلم عن الدعوة؟ لا.

بل سافر إلى الطائف إلى بني عبد يليل بن كلال رجاء أن يكون فيهم قلبا ًرحيماً رءوفاً لبقاً لطيفاً يألف ويؤلف ويسمع وينصت وينقاد إلى الحق الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم؛ فبعثت قريش سفراءها وشياطينها ومخابراتها ورجال الأمن عندها إلى بني عبد يليل بن كلال وقالوا: إن صابئاً اسمه محمد بن عبد الله سوف يأتيكم فإذا جاء فاحرصوا ألا يغري عليكم سفهاءكم، ألا يفسد عليكم صبيانكم، ألا يغير عليكم دينكم واحترام ملة آبائكم وأجدادكم، فما كان منهم إلا أن قاموا وجعلوا صبيانهم سماطين أي: صفين وفريقين، فلما دخل النبي صلى الله عليه وسلم جعلوا في يد كل صبي وسفيه وجاهل حجراً يرمي به أقدام النبي صلى الله عليه وسلم، ورجم النبي صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي حتى خرج من بني عبد يليل بن كلال وقد أعرضوا عنه وما سمعوه وآذوه وأغروا الصبيان والسفهاء به حتى ولى من عندهم وعقبه الشريفة تدمي، يقطر الدم من قدمه صلى الله عليه وسلم خرج هائماً على وجهه حتى آواه المقام إلى مكان يقال له: قرن الثعالب، ثم خر مغشياً عليه صلى الله عليه وسلم.

أتظنون أن هذا النبي قد ملّ وكلّ من هذه الدعوة؟ أتظنون أنه صلى الله عليه وسلم قد سئم من هذه الدعوة وهو الشريف النسيب الكريم ذو القدر والأمانة والجاه والكرامة في قومه؟ أم جميل زوجة أبي لهب تضع الشوك والزبالة في طريقه صلى الله عليه وسلم.

لما خرج من بني عبد يليل بن كلال وآواه المقام إلى قرن الثعالب وخر على وجهه مغشياً عليه فلما أفاق قال: (اللهم أنت ربي ورب المستضعفين، إلى من تكلني؟ أإلى عدوٍ يتجهمني أم إلى قريب ملكته أمري، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت به الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، إن لم يكن بك غضبٌ علي فلا أبالي).

بعد هذا المشوار الطويل من العذاب والأذى يقول صلى الله عليه وسلم: إن لم تكن غاضباً يا رب فما عندي مشكلة، إن لم تكن غاضباً فأنا سعيد، إن كنت راضياً فهذا هو نجاحي، أما أنهم يجعلون سلى الجزور وخلاص الناقة على ظهري فلا أبالي بهذا، أن يضعوا الشوك في طريقي فلا أبالي بهذا، أن يضعوا الأذى في طريقي، أن يرموني بالحجارة فلا أبالي بهذا، أن يكذبوني ويتهموني ويقولوا: ساحرٌ أو كذابٌ أو أساطير الأولين تملى عليه، يأخذها من كتب الأولين بكرةً وأصيلاً فلا أبالي بهذا، إن لم يكن بك غضبٌ علي فلا أبالي.