للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الندم على ما مضى من أيام الشباب]

أيها الأحبة! ما أكثر الذين يندمون على ما مضي من أيام شبابهم، بل إننا والله ونحن الآن في الثلاثينات إن الواحد يندم على الفترة التي مضت من عشرين إلى ثلاثين كيف راحت عشر سنوات من زهرة العمر الذهبية لم نستغلها الاستغلال الأمثل الأوفر، فما بالك فيمن ضيع وضيع وغفل ولا حول ولا قوة إلا بالله، إنا وإياهم على خطر أن تفاجئنا المنية ونحن لم نستعد استعداداً يرضي الله عز وجل ويجعلنا ممن يفوزون بجناته ومرضاته.

أيها الأحبة! إن للزرع والبذر موسماً معيناً، فإذا جاء وقت الحصاد؛ فإن الزرع لا ينفع حينئذ، إذا جاء وقت حصاد البر ما ينفع أنك تبذر الأرض وتشغل الرشاش، فللبذر والزرع وقت، وللحصاد وقتٌ، ولا بد أن تعلم أنك ما دمت في مرحلة الشباب، فإنك في مرحلة البذر

ومن زرع البذور وما سقاها تأوه نادماً وقت الحصاد

إن الذي يأتي يوم القيامة وقد ضيع هذا الشباب في المعاصي والسيئات، وقد غفل عن الصالحات هو المفلس والخاسر حقاً، وعليه أن يبادر نفسه قبل أن يفاجئه الأجل أو يحل فيه ما قاله الله عز وجل: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ} [المؤمنون:٩٩ - ١٠١] لا جنسية، لا تابعية، لا جواز، لا إقامة، لا قبيلة، لا فخذ، لا أسرة، لا عائلة، لا هوية {فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون:١٠١] إذاً ما القضية؟ أموال ما تنفع، أنساب ما تنفع {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى} [سبأ:٣٧] إذن ما الذي ينفع؟ {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المؤمنون:١٠٢] الله يجعلنا وإياكم منهم {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ * أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ} [المؤمنون:١٠٣ - ١٠٥] ماذا يجيبون؟ ماذا يقولون: {قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ * إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنِّي جَزَيْتُهُمْ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمْ الْفَائِزُونَ} [المؤمنون:١٠٦ - ١١١].

أسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن يقول الله فيهم: {إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} [المؤمنون:١٠٩].