للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم]

الحمد لله الذي أنزل القرآن على عبده ليكون للعالمين نذيراً، والصلاة والسلام على نبيه محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد: أيها الأحبة في الله: إنه لمما يسعدني ويثلج صدري أن أدعى تشريفاً وتكريماً للمثول بين أيديكم، والتحدث إليكم، والاستفادة منكم.

أيها الإخوة: كما تعلمون عنوان المحاضرة، أو عنوان الكلمة بالأصح" أثر الجليس على المسلم في الدنيا والآخرة"، ولقد صدر الأخ المقدم تقدمته بقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: (مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبةً، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً منتنة).

أيها الإخوة في الله: لا شك أن الإنسان اجتماعيٌ بطبعه، ولقد خلق الله سبحانه وتعالى في البشر أجمعين غريزة الاختلاط، وغريزة المخالطة، وغريزة المعاملة مع الناس، فكان لابد لكل إنسان أن يختلط بأبناء جنسه، وأفراد مجتمعه في جميع شئون حياته وحاجاته، فلا بد له من المخالطة مع زملائه في المدرسة، ومع زملائه في العمل، ومع جيرانه في الحي، ومع إخوانه المصلين في المسجد، ومع أقاربه وعصابته في صلته لرحمه وفي اتصالاته جميعها، فالإنسان لا شك أنه اجتماعيٌ بطبعه، وكان لهذا الاجتماع مصلحة عظيمة، ومن أجل تحقيق تمام المصلحة في هذا الاجتماع، كان لابد أن يكون له من الضوابط والقيود ما يحقق الأثر المنشود في هذه المخالطة، وفي هذه الصحبة.

وحسبكم -أيها الإخوة في الله- أن الله سبحانه وتعالى قد اختار صحبة نبيه، واختار صحب نبيه من الثلة الأولين الطاهرين المطهرين، وأمره صلى الله عليه وسلم بأن يلزم ويلزم نفسه بصحبتهم، فقال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} [الكهف:٢٨] فالله سبحانه وتعالى قد اختار الصحبة الطيبة الطاهرة لنبيه وأمره بلزومهم.

فنحن -يا معاشر المؤمنين- في دبر هذا الزمان في أمس الحاجة إلى الأصحاب والإخوان والخلان الذين بلينا بكثرتهم، وامتحنا بقلة النافع منهم، نحن بأمس الحاجة في هذا الزمان إلى تحقيق العلاقات، وتمحيص الصداقات، وتدقيق المودات، كل واحد منا لو أمسك أوراقاً، وليست ورقة ليعد كم من الأصدقاء عرفهم، وكم من الخلان اتصل بهم، لوجد أنه عرف الكثير الكثير منهم، ولكن إذا اشتدت الأمور، واستحكمت الأزمات، لن يجد إلا ما هو أقل من عدد أصابع يد واحدة يستطيع أن يفزع إليهم بعد الله سبحانه وتعالى، ويثق في نخوتهم، ويوقن بنجدتهم، بل وهو مطمئنٌ أن يفشي سره عندهم، وأن يفضي بحاجته إليهم، أولئك نزر قليلٌ من الإخوان والخلان والأصدقاء، ومن أجل ذلك كان واجباً أن نختار الأصدقاء، وأن نحدد العلاقات.